تعريف النزعة العقلية في الفلسفة
19-07-2023 12:27 PM
عمون - النزعة العقلية في الفلسفة تعدّ النزعة العقلانية تيارًا فلسفيًّا ظهر كنتيجة لموقف الفلاسفة من المفاهيم العقلانية. يمكن تعريف النزعة العقلية على أنها الميول والمبادئ التي تؤكد أن المعرفة الحقيقية تتحقق من خلال العقل فقط، وتهدف إلى إعطاء الأولوية للتفكير العقلاني وتقليل تدخل أي سلطات خارجية.
العقل يعتبر الإمام الذي يقودنا إلى الحقيقة، ولا يجب أن يتأثر بالعوامل الخارجية، ويشمل ذلك السلطات الدينية وتدخل رجال الدين. هذا هو ما أراده ديكارت على وجه التحديد. يجب أن نلاحظ أن النزعة العقلية لم تقتصر على الفلسفة اليونانية والفلسفة الغربية فقط، بل كانت هناك نزعة عقلية في الفلسفة الإسلامية أيضًا، التي ظهرت بفضل ازدهار حركات الترجمة واستكشاف الفكر الفلسفي اليوناني.
في الفلسفة اليونانية، يُعتبر العقل هو الصفة التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات. ظهرت النزعة العقلية في الفلسفة اليونانية من خلال العديد من المدارس الفلسفية، ومن أبرزها المدرسة السقراطية. فسقراط رفع شأن العقل وربطه بالأخلاق، وأكد أن المعرفة هي فضيلة والجهل هو عيب. وقد أكد أن الإنسان لا يمكن أن يسلك الطريق الصحيح إلا إذا كان يعرفه، وأنه لا يمكن أن يخطئ إلا إذا كان جاهلاً.
ظهرت النزعة العقلية في الفلسفة السقراطية كرد فعل على القيم السفسطائية التي قامت بتدمير المعرفة العقلية وأعطت الأولوية للقيم الذاتية. وبعد سقراط، هاجم أفلاطون السفسطائيين وأكد على أهمية العقل ومجد الحكمة لمن يحكم المجتمع، واعتبر أن الحكام يجب أن يكونوا فلاسفة. وأشار إلى أن من لا يستطيع أن يحكم نفسه لا يمكنه أن يحكم مجتمعًا أو دولة.
في الفلسفة الإسلامية، يُعتبر ابن رشد رائد النزعة العقلية. وقد بين قيمة العقل في الدين الإسلامي من خلال عمله كفقيه وقاضي. أكد أن الفلسفة والشريعة هما متلازمتان، وظهرت النزعة العقلية لدى ابن رشد من خلال كتاباته وشروحاته لعلم المنطق الأرسطي، حيث اعتبر أرسطو مؤسسًا لهذا العلم.
بالنسبة لابن رشد، توجد توافقية بين العقل والشريعة الإسلامية بسبب مصدرهما المشترك. وأكد أنه لا يمكن لله أن يمنح الإنسان عقلاً ثم يرسل له شرائع تتناقض مع ذلك العقل. وقد ناقش هذا الموضوع في العديد من كتاباته، وأهمها كتاب "فصل النقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال"، حيث أكد أن الحق والحقيقة لا يتعارضان، بل هما حقان متلازمان.
على الرغم من أن ابن رشد لم يكن مجرد مترجم أو شارح للفلسفة اليونانية، إلا أنه أدرك أن اعتماد علوم الفلاسفة اليونان على نحو حرفي ليس مناسبًا. لذلك، كان لديه روح نقدية ويقوم بتصحيح ما يرونه خاطئًا.