ثمن التأجيل واثمان التباطؤ .. د. عاكف الزعبي
14-03-2011 01:35 PM
منذ هبوب رياح القوانين المؤقته وتصاعد موجة الاستيلاء على أراضي الخزينه مطلع العقد الماضي ، رفع كثيرون الصوت عالياً محذرين ومنبهين من توجهات مريبه لقوى متنفذه جديده صعدت من خارج رحم الدوله . لكن احداً في الحكم لم يكن مستعداً أن يرى او يسمع . ووصل الامر ان اصبح الشعب كله في كفه ومجموعة المتنفذين الجدد في الكفه المقابله . وما كاد العقد ينتصف حتى كانوا يسيطرون على الحكومات بشكل كامل .
مضى هؤولاء في سعيهم لانشاء مؤسسات موازيه للوزارات تكون بعيده عن رقابة مجلس النواب ، وتقاسمو الولاية العامه للحكومه بين فريقهم داخل مجلس الوزراء ، والمؤسسات الموازيه التي استحدثوها ، ومراكز نفوذهم خارج الحكومه التي كانت بدورها تصدر الاوامر للحكومه بدعوى انها من جهات عليا . ما ادى الى تقسيم مركز القرار في الدوله الى ثلاثة مراكز واصبحت البلد بثلاث حكومات بدلاً من حكومه واحده .
ما ان اكتمل العقد السابق واذا البلد بحالة ارتباك غير مسبوفه لم يعهدها من قبل ، خلفت اوضاعاً بالغة الضعف سياسياً واقتصادياً . سياسياً تم تغييب المشاركه الشعبيه عن طريق الامعان في تزوير الانتخابات النيابيه وسد قنوات الحوار ، صاحب ذلك سحب جزء كبير من الولايه العامه للحكومه وصلاحياتها في ادارة شؤون البلاد ، واصبحت الحكومات شبه خالية من الوزراء الاكفياء وممن لهم حضورهم السياسي والشعبي ، ومدت الحكومات يدها لاحتواء مجلس النواب بتزوير انتخاباته وتقديم الاعطيات لاعضائه ، كما قلصت استقلال القضاء ما هيأ لها ما ارادت من الافلات من الرقابه .
اما اقتصادياً فقد بيعت اصول الدوله واستثماراتها على عجل وفي ظروف غير صحيه ، وارتفعت نسبة الفقر بحسب البيانات الرسميه الى 15% ، وكذلك نسبة البطاله ، وزادت المديونيه عن 11 مليار دينار ، وشهد سوق عمان المالي العديد من الصفقات لصالح المتلاعبين بالاسهم جمعوا بموجبها الملايين على حساب صغار المتعاملين بالاسهم في السوق ، وقدمت اراضي الخزينه في العقبه والبحر الميت والعبدلي والمناطق التنمويه هبات لاستثمارات بائسه .
بدلاً من الانصات المخلص للنصح والتحذير والتفكر في ارهاصات غضب الشارع امعنت الحكومات في سياساتها الضاله ، واستعانت باقلام واصوات تابعه لها لنعت الناصحين والمحذرين باعداء الاستثمار وخصوم التحديث ، وذهبت بعيداً في الكيد لدعاة الاصلاح والتغيير ، وتجاهلت اصلاحات سياسيه واقتصاديه كانت البلاد بأمس الحاجة لها ، ولم تتورع عن نهجها حتى بعد ان احتقن الشارع واعتصم واحتج ممهدة الطريق امام اتساع العنف المجتمعي وتنامي الهويات الفرعيه وتهديد السلم الاهلي .
وفي وقت كان فيه المعلمون يتظاهرون لاقامة نقابتهم ، وعمال الحكومه يعتصمون للحفاظ على لقمة عيشهم ، والضباط المتقاعدون يصدرون البيانات احتجاجاً على الاوضاع السياسيه والاقتصاديه ، والقضاه يوقعون العرائض للتنديد بالنيل من استقلال القضاء ، والصحافه الالكترونيه تشكو من الاعتداء على حرياتها ، ومجموعة من الشخصيات العامه يوجهون النداءات من اجل التغيير ، واحزاب المعارضه والنقابات تنادي بالاصلاح باعلى الصوت ، واذا بالحكومه التي بدت وكأنها في واد آخر تماماً تصدم البلاد بالدوائر الانتخابيه الوهميه ، وتتعدى ذلك الى تزوير الانتخابات لتصب الزيت على نار الشارع الملتهبه ، ما ادى الى سلسلة لا تنتهي من الاعتصامات والمسيرات الاحتجاجيه ورفع سقوف المطالب الاصلاحيه.
نواجه اليوم استحقاقات ضعف الحكومات وتعدد مراكز القرار وعدم الانصات لصوت الشارع ، وتجاهل القيام بواجب معالجة الازمات السياسيه والاقتصاديه ، وغياب الحكمه والموفقيه في التعامل مع احتياجات الناس وتحدي مشاعرهم وعدم الاستماع لمطالبهم بوقف تزوير الانتخابات وتحرير مجلس النواب وتعزيز استقلال القضاء . وندفع ثمن ذلك ارتباكاً في وضع الدوله ، وتكثيفاً لمظاهر الاحتجاج والاعتصام ، وارتفاعاً في سقوف الاصلاح الذي ينادي به الشارع . فبعد ان كان السقف قبل سنتين لا يتعدى اصلاح الحكومات واذا به يرتفع خلال اشهر الى المطالبه باصلاحات دستوريه ، ثم يرتفع خلال اسابيع الى التلويح بالمطالبه بملكية دستوريه.
ندفع اليوم ثمن تأجيل الحكومات السابقه للاصلاح ارتفاعاً في سقف مطالب الشارع الى مستوى الاصلاح الدستوري ، واذا لم تباشر الحكومه الحاليه البدء بالاصلاح بمنتهى السرعه ودونما اي تأخير ، فقد ندفع للتباطؤ اثماناً سقفها الملكية الدستوريه التي تتجاوز اصلاحات دستوريه محدوده الى تعديلات دستوريه معمقة بالغة الاثر.
*الكاتب وزير اسبق.