قول تناقلته العرب، ونسبته الى ابن عباد من قوم كليب اول ملوك العرب وقاتل تُبع آخر ملوك اليمن آنذاك.

قالها ابن عباد في مقتل ولده وفلذة كبده، حين دفع به الى الزير ليقتله في ثأر أخيه ، واستجاب الابن ليكون في سفك دمه حجبا لدماء العرب في حربهم الضروس، المسماة بحرب البسوس ، لكن مقتله لم يُجد نفعا، ولم يوقف هذه الحرب التي نشبت بين أبناء العمومة اربعين عاما، أنهكتهم وأفقرتهم وشتتهم وابادتهم، واعتبر دم جبير الابن الوحيد للحارث بن عباد لا يساوي قطعة من نعل كليب «شسع».

لقد افتدى هذا الرجل قومه بابنه ، وهو جاهلي لم يبلغ الإسلام ولم يرتو من ينابيع عقيدته السمحه، التي هذبت النفوس وصقلت العقول، وقوت صلت الارحام.

هذا الرجل الذي لم يتخرج من الازهر الشريف ولم يتخصص في علوم الفقه والشريعة ولم يعرف الاحزاب ولم يخاطب الناس من الفضائيات والمنشورات والاذاعات والميكروفونات ولم يستغل حماس الشباب ليركبوا اجنحة الخيال ويحلموا بضروب الآمال ولكنه رأى ببصيرة ثاقبه وحكمة بالغة أفرزتها الفطرة الصادقة أن الدم حرام وأن ترويع الآمنين حرام وأن الاعتداء على حرية الآخرين حرام .

لم يكن في ذاك الزمان الغابر ديمقراطية ، لكنهم بالفطرة وحسن التربية إذا تكلم كبيرهم سمعوه ، وإن امرهم اطاعوه ، وان نهاهم انتهوا.

لم توجد أنظمة وقوانين بل قيم وعادات وتقاليد ، تضبط امور حياتهم وتهديهم الى سبيل الرشاد وتولد فيهم النخوة والشهامة والحمية.

ها نحن في القرن الحادي والعشرين ، وقد استقرت العقيدة في العقول وانتشرت العلوم في شتى التخصصات وتكاثرت الأنفس بالملايين ولم يعد منها جاهلا واحدا.

حتى من لا يجيد القراءة والكتابة يتمتع بثقافة واسعة غزته من وسائل الإعلام المتعددة حيث جعلت العالم كله قرية واحدة مضيئة.

مع الأسف الشديد أرانا -نحن العرب- لا نقطف ثمار العلم والمعرفة ولا نُسخر منها لأبواب الخير إلا اليسير، بل نجير بعضا منها للمصالح والمنافع الفردية الضيقة والتناحر والتنافس على مبادئ مستوردة ذهبت بنا الى الضياع .

خلاصة القول لا بل القول كله: ألا يضيع الوطن فالوطن «كريم» وقتل الكريم بالشسع غال ، بل يُدفع عنه الضيم ويحمى بالحكمة ويفتدى بالغالي والنفيس ، رايته مرفوعة وشعبه مصان واجياله متعاقبة تزهو بفخر الولاء وتعتز بنبل الانتماء إلى أن يرث الله الأرض.