نظّم فريق العقبة لسيارات الدفع الرباعي جولةً طويلةً جابت وادي رم احتفالًا بعيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفدّى، على مدى يومين من القيادة الاحترافية والتخطيط الدقيق، شارك فيها 11 مركبة مجهزة للقيادة على الطرق البرية غير المعبدة.

الإعداد والتجهيز:

لم يكن الأمر سهلًا أن تُرسم مسارٌ بطول 220 كلم عبر طرق ترابية أو فضاء مفتوح ضمن محيط وادي رم، بحيث يراعي السلامة والأمان بالدرجة الأولى، ويحقق متعة القيادة بين شواهق وتلال توارت بين كثبان وردية ذرتها الرياح عبر الزمان. إلا أن تخطيط وتنظيم قائد فريق العقبة لسيارات الدفع الرباعي، يوسف هلالات، راعى أدق التفاصيل، متقيدًا بروح الفريق الذي اجتمع فيه مشاركون من محترفين وهواة.

كان التعارف ليلة الخميس بعد اكتمال وصول المشاركين من عمان على متن اليخت “ديفيرستي”، حيث تم شرح تفاصيل المسار ضمن مجسم أُعدّ خصيصًا لهذه الغاية، مع التأكيد على شروط السلامة وجاهزية المركبات، نظرًا لأن المسار بعيدٌ كليًا عن الطرق المعبدة وتغطية شبكات الاتصال الخلوية، ويُصنَّف ضمن مسارات التحمل للمسافات الطويلة متعددة المنحنيات.

اليوم الأول:

وما إن دخلنا الطريق الترابي من طريق العقبة الخلفي المتجه نحو بلدة تتن، حتى تعالى هدير المحركات ضمن المستوى المسموح به وفق قانون دائرة السير، وتتابعت المركبات حسب تسلسل الأرقام الممنوحة لها من قبل قائد الفريق، مع الحرص على ترك مسافة أمان بين المشاركين.

في وادي العمران، مررنا بسلسلة من السدود التجميعية التي أنشأتها سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ضمن مشروع الحصاد المائي، بهدف زيادة مساحة الرقعة الزراعية وتوفير مصدر للمياه لرعاة المواشي والإبل، قبل الدوران حولها وصولًا إلى الخشم الأسمر. من المعروف عن أهل البادية أن “الخشم” هو الجبل الحاد، وقد فتح أمامنا فضاء واسع يثير الدهشة والإعجاب بقدرة الخالق وروعة الطبيعة، حيث توشحت أطراف الجبال بكثبان وردية ذرتها الرياح عبر الزمان، حين كانت تتخللها طرق ودروب ومسالك لقوافل التجارة والحجيج بين عاصمة الأنباط والأراضي المقدسة باتجاه تيماء وحائل، ومن قصد بيت الله الحرام حين كانت الرواحل هي وسيلة النقل في الزمن القريب.

وادي صابط وأعلى القمم

لم تشكل الكثبان عائقًا للمشاركين، بل كانت متعة المسار وغايتُه، وصولًا إلى وادي صابط الواسع، حيث يشرف عليه من الجانب المقابل جبلا “الهش” و”الونان”، إضافةً إلى مطل نغرة، الذي يُعدّ من أجمل مطلات وادي رم وأكثرها هدوءًا. استمررنا في القيادة حتى نقطة الإفطار عند نقب الوادي، بعد المرور بأعلى جبال المملكة، “أم الدامي”، الذي يبلغ ارتفاعه 1854 م. وكانت لنا زيارة أخيرة لتسلقه العام الماضي احتفالًا باليوبيل الفضي، حيث تم رفع العلم على السارية هناك.

وبعد لحظاتٍ من التأمل في جمال الطبيعة وتفرد المكان، استكملنا طريقنا عبر الوادي وسلسلة الجبال التي تفصلنا عن الحدود مع الشقيقة المملكة العربية السعودية، وصولًا إلى نقطة التخييم، التي تم اختيارها عند سفح الجبل بالتزامن مع وقت الغروب. صعدنا إلى تلةٍ لالتقاط لحظات تعانقت فيها شمس الأصيل مع الشواهق وقمم الجبال، في مشهد رائع، قبل أن تتدنى درجات الحرارة مباشرة مع غروب الشمس.

وما إن عدنا إلى نقطة التخييم، حتى كان كل شيء جاهزًا بأدق التفاصيل، بفضل فريق الدعم اللوجستي المتخصص برحلات البادية، الذي قام ببناء الخيام وإعداد حلقة الجلوس حول النار. وقد أُحضر الحطب مسبقًا، لأن استخدام أي نبات من المحمية لإشعال النار غير مسموح به، وهذا ما حرصنا عليه والتزمنا به. وسرعان ما ارتفعت رائحة الطعام الشهي، الذي أعدّه الطاهي المتمرس، فيما استمتعنا بليلة سمر على ضوء النجوم، بعيدًا عن أضواء المدينة.

مسار اليوم الثاني:

بعد الإفطار، انطلقنا في مسارنا الثاني، غادرنا المكان كما كان، متجهين نحو آبار حوض الديسة المائي، الذي تُضخ مياهه العذبة إلى عمان، ومنها نحو منطقة “منشير”، “طويسة”، و”الغال”، وصولًا إلى بلدة الديسة لإعادة التزود بالوقود. ثم واصلنا شمالًا صوب “الفطرة” و”الخرزة”، حيث يوجد جسر حجري، وفي أحد الشعاب لا يزال قائمًا جدار سدٍ نبطي، وهو من بقايا مشاريع أجدادنا للحصاد المائي. كما ظهرت على الصخور نقوش صفائية، تُعدّ من أقدم أشكال الفن وأصول الكتابة.

عند هذا المزيج من التاريخ والطبيعة، كانت نقطة استراحة الغداء. وما إن فرغنا منه، حتى اتجهنا شرقًا نحو القويرة، نقطة النهاية. وكما في جميع المسارات السابقة، التزمنا تمامًا بقواعد السير في البر، واحترام الطبيعة التي نحن مجرد زوار فيها، سواء كانت داخل المناطق المحمية أو خارجها، دون الإضرار بها بأي شكل من الأشكال. وعند العودة إلى الطريق المعبد، عدنا لالتزام قوانين السير وأنظمة المرور، ويشارك إلى أن شركة فصول العقبة تنبت إنتاج الفلم والتصوير الاحترافي.