لم يضيع الرئيس ترامب الوقت منذ وصوله إلى البيت الأبيض فقد بدأ بفتح نيرانه منذ ساعاته الأولى كرئيس بتوقيع أوامر تنفيذية دستورية و غير دستورية، مؤذنا ً بفتح العديد من الجهات الداخلية والخارجية في وقت واحد. معلنا بذلك إنتقال حالة الإستقطاب الداخلية لدى جناحي الدولة العميقة (جناح الخزينة، و جناح الأمن) إلى حالة صراع معلن في مشهدية هي الأولى من نوعها تحول الصراع المكتوم ومحسوب الضربات، إلى ساحة معركة تتخذ من العالم كله رقعة لعب على قياس كبير يفوق حجم الولايات المتحدة نفسها.
إن الفوضى العارمة التي يشهدها بيت القرار الدولي اليوم في واشنطن سببها، محاولة إعادة ضبط شاملة ليس فقط للولايات المتحدة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، بل هي تشمل العالم أجمع في محاولة يائسة لتجنب إنهيار الإقتصاد الأمريكي التضخمي الذي أصبحت مسألة إنهياره مسألة وقت بعد هجرة الصناعات التقليدية، وتجاوز الصين لعقبتي الذكاء الاصطناعي، والرقاقات الذكية، مما جرد الولايات المتحدة من نفوذها التقني في مساقات الصناعات المعرفية، والتطور التكنولوجي على السواء.
وفي وصف حالة التخبط التي يعاني منها ترامب وحكومته العرجاء والتي إنعكست على شكل توزيع التهديدات السياسية والاقتصادية بالجملة إبتداءً من كندا مروراً بالمكسيك وإنتهاء بكولومبيا، فقد صاحبها حالة جهل صريح بقيمة النفوذ الجيوسياسي التاريخي في الشرق الأوسط، متمثلا بمصر والأردن وهما مفتاحي أمريكا في الشرق الأوسط. ناهيك عن أهمية البعد الجيوستراتيجي اللذان يمثلانه في جغرافيا المنطقة وأهمية دورهما في ديناميكية العلاقات الأمريكية مع الدول العربية كافة.
اما فيما يتعلق بحلف الناتو ومستقبل العلاقات الأمريكية- الأوروبية فقد اصبح من الواضح ان الاتحاد الانجلو- امريكي لم يعد بتلك الأهمية وان الانفكاك عن الناتو هو مشروع ترامب الكبير. تمهيداً لإعادة إحباء "مبدأ مونرو" بعد أن قام بتعجيز دول التحالف وطلبه رفع مساهماتها إلى ٥٪ من ناتجها الإجمالي. ليترك أوروبا أمام خيارين امام الانفاق المباشر على مصانع السلاح الأمريكية، او الانفاق غير المباشر.
وبالرغم من سريالية المشهد على مستوى العلاقات الخارجية الا ان المشهد داخل الولايات المتحدة لا يقل اثارة ومن هنا يأتي الخطر الاكبر على الرئيس الامريكي الذي كانت اولى حروبه الداخلية، على وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، التي امرها برفع السرية عن وثائق اغتيال كل من كيندي، ومارتن لوثر كينغ جونيور. في إشارة واضحة منه الى خوفه من ان يلقى مصيرهما، وقد سبقتها اشارة نقله لمراسم تنصيبه الى داخل قاعة "كابيتول وان" تحسباً لأي محاولة تحول بينه وبين البيت الأبيض.
لم يكتفي ترامب بذالك فقد اصر على ان يذل مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي FBI الذي داهم منزله سابقا. وتوعد بعزل رئيسه، وتحويل مقره الرئيسي الى متحف، بعد رفع السرية عن كافة وثائقه. وكلنا نعلم ان هنالك الكثير من الأشخاص الذين سيحولون دون ذلك حتى لو كان الثمن التخلص من ترامب.
وتتنوع سيناريوهات خروج ترامب من البيت الأبيض سواء أكان ذلك بالاغتيال، او الوفاة الطبيعية، أو محاولة عزل يقودها نائبه جيه دي فانس مدعوما بنخبة الحزب الجمهوري الذين يريدون ان يستعيدوا بشدة الحزب الذي سرقه ترامب وحوله الى أحد ممتلكاته.