في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى
عميد متقاعد عارف الزبن
14-02-2025 11:41 PM
لقد عرفنا في التاريخ الإسلامي قصة صحابة رسول الله ﷺ، ممن قدموا أسمى معاني البطولة والوفاء للعقيدة القتالية، ومنهم الصحابي حنظلة بن أبي عامر (الغسّيل) رضي الله عنه، الذي أسلم وخرج في غزوة أحد بعد ان سمع بنداء الجهاد في يوم زفافه وكان حينها على جنابه، والذي قال عنه النبي ﷺ ان الملائكة غسلته فسمي بغسّيل الملائكة، وكذلك عرفنا قصة الصحابي جُليبيب رضي الله عنه (حبيب رسول الله ﷺ)، الذي استشهد أيضا في يوم زفافه. ولكني لم أكن اعلم ان في عصرنا الحديث ان حبل هذه العقيدة القتالية لم ينقطع ولا يزال موصولا في عقيدة جيشنا العربي المصطفوي، الذي لا يزال هناك منه ابطال طبقوا ولا يزالون يطبقون معاني هذه العقيدة القتالية المستمدة جذورها من عقيدتنا الإسلامية ومن تاريخنا الإسلامي والأردني.
فقصة شهيد لواء أربعين الجندي الأول فضيل الحديثات ابهرتني واوقفتني في يوم المتقاعدين والمحاربين القدامى، لأكتب كمتقاعد عن محارب من المحاربين القدامى وعن شهيد من لواء الملك الحسين بن طلال / 40 او ، ما سمي لواء الله او ، لواء الحديد والنار او ، ما يعرف اختصارا في الجيش الاردني اللواء المدرع أربعين، فبطلنا هو الشهيد الجندي الأول فضيل خلف الحديثات الذي يحمل الرقم العسكري 1085721 من محافظة مادبا / من قرية لب، من مرتبات كتيبة الدبابات الرابعة ، ذلك البطل الذي ارتقى والتحق الى جوار ربه في إجازة عرسه يوم ١٦ / ١٠/ ١٩٧٣ (في اليوم الأول للمعارك في الجولان ) لينظم الى رفاقه من كوكبه الشهداء ال 21 شهيدا من نفس اللواء .
بتاريخ ١١ / تشرين الأول / ١٩٧٣ استجاب اللواء المدرع أربعين ، لنداء الأمة العربية والإسلامية في الدخول في حرب تشرين / اكتوبر ٧٣ ، حيث تحرك هذا اللواء على الجنازير (دون ناقلات الدبابات ) بقيادة العميد خالد هجوج المجالي (رحمه الله) ، وذلك بأمر من (المغفور له بإذن الله) الملك الحسين بن طلال للدفاع عن الجبهة السورية ، ليصل في اليوم الثاني يوم ١٢ تشرين الأول / اكتوبر ٧٣ الى منطقة الرمثا ، ليدخل بعد ٤٨ ساعة ساحة المعركة في الجولان السورية للدفاع عن ارض سوريا الحبيبة بتاريخ ١٤ تشرين الأول / أكتوبر ٧٣ ، في تلك الحرب التي اندلعت بين سوريا ومصر من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى يوم السادس من تشرين الأول / أكتوبر عام ١٩٧٣ ، والتي لم يتم اعلام القيادة الأردنية عنها الا بعد اندلاعها .
قبل أسبوع كنت قد التقيت مع الأخ المقدم المتقاعد ملوح نزال العيسى (أبو طلال) في وزارة الصناعة والتجارة، حيث كان يعمل ركن الاستخبارات للواء 40، وهو من أحد ابطال هذا اللواء، الذين لا يزالون على قيد الحياة (أمده الله بموفور الصحة والعافية)، حيث التقينا في ذلك المكان بأحد نشامى الامن العام من عائلة الشهيد فضيل، وبعد التعارف سأله أبو طلال عن صله قربه من الشهيد البطل ليتين انه ابن عمه له، حيث عرفنا منه ان له من الأبناء ابن واحد اسمه جهاد والذي يبلغ من العمر ٥٢ عاما، ويعاني من غسيل الكلى (شافه الله).
فالبطولة كما وصفها أبو طلال، ليست فقط للواء وليست لشهداء اللواء، بل هي امتداد من الاباء الى الأبناء والى الزوجة والى العائلة التي ينتمي اليها كل واحد من هؤلاء الشهداء والابطال من المحاربين القدامى من هذا الجيش العربي المصطفوي. فالبطل الذي سمعت قصة من أبو طلال، هو مثل هؤلاء الشهداء اللذين اشرت لهم في البداية، فهو غسيّل حرب /٧٣ وهو شهيد الجولان، فلقد مُنح الجندي الأول فضيل الحديثات اجازة عرس في منتصف شهر تشرين الأول / اكتوبر وذهب إلى بلدته مادبا، وفي اليوم الثاني من إجازة سمع والده (رحمة الله) أن ابنه مجاز، فجاء إلى ابنه البطل فضيل في بيت عرسه، وقال له " يا ولد وش تسوي هان اخوياك (رفاقك) بالجولان قم والحق بهم " فقال لوالده " يا يبا (والدي) أنا مجاز اجازة عرس " فقال له والده " قم والحق خوياك “.
عندها لم يقم الشهيد فضيل بمجادلة والده ولم يذهب للزرقاء للالتحاق في مؤخرة اللواء او الاختباء عند أحد الاقارب أو الجيران، بل تحرك فورا ليلتحق في مقدمة اللواء لينضم الى ركب رفاقه من كتيبة الدبابات الرابعة وليجلس خلف مقعدة كسائق دبابة، فكانت مشيئة الله ان تتلقى دبابة صاروخ مضاد للدبابات من نوع تو (الاسلحة الأمريكية الحديثة التي زود بها الجيش الاسرائيلي آنذاك والتي قلبت سير المعركة) عندها استشهد البطل فضيل.
وفي الختام:
وفي الختام: هذا هو الجيش العربي المصطفوي، وهذه هي قيادتنا الهاشمية الحكيمة، وهذا هو ذكر ابطالنا الشرفاء من لواء أربعين، وهذا هو ذكر شهدائنا من المحاربين القدامى، وهذا هو ذكر ذوي الشهداء الذين زرعوا فيهم وفينا أسمى معاني الجهاد والرجولة والنخوة الإسلامية العربية.
حما الله الاردن وطنا ومليكا وشعبا