facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي والرقابة: سلاح لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد


د. علي الروضان
03-03-2025 12:11 PM

تشهد المؤسسات العامة والخاصة حول العالم تحولًا جذريًا في أساليب الرقابة المالية، إذ يتزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كأداة رئيسية لتعزيز الشفافية وكشف التجاوزات. فمع تزايد حجم المشاريع وارتفاع سقف الإنفاق، لم يعد بالإمكان الاعتماد على الأنظمة التقليدية وحدها لضمان النزاهة المالية. ونتيجة لذلك، أصبحت التقنيات الحديثة ضرورة لمتابعة التدفقات النقدية وتحليل المعاملات المالية بدقة، ورصد أي مخالفات في مراحل مبكرة قبل أن تُلحق خسائر كبيرة.

تشير دراسة نُشرت في مجلة International Journal of Financial Technology عام 2024 إلى أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في المؤسسات العامة أسهم في تقليص الأخطاء الحسابية وحالات الاحتيال بنسبة 45% خلال عامين فقط. ويُعزى هذا التطور إلى قدرة الخوارزميات المتقدمة على تحليل ملايين العمليات المالية في وقت قياسي، واستخلاص الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى تضخم في التكاليف أو تجاوزات في العقود.

وبالمثل، قد تستفيد المؤسسات والشركات الخاصة من هذه التقنيات لتعزيز أنظمة الرقابة المالية وتفادي المخاطر. فالمؤسسات العاملة في مجالات مثل البنوك والتأمين والتصنيع يمكنها الاعتماد على أنظمة ذكية تراقب العمليات المحاسبية آليًا، وتكشف أي مؤشرات على الاحتيال أو التلاعب في التقارير المالية. ومن المتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي على خفض التكاليف التشغيلية وزيادة كفاءة عمليات التدقيق الداخلي، نظرًا للسرعة والدقة التي توفرها التحليلات الرقمية.

ففي إحدى المؤسسات المصرفية البارزة، تم تطوير أنظمة رقابة تنبؤية لدراسة سلوك الحسابات البنكية، عبر مقارنة التحويلات المتوقعة بالسلوك الفعلي للعملاء. ووفقًا لتقرير نشر في مجلة Financial Oversight Review لعام 2023، أدى توظيف هذه التقنيات إلى تقليص خسائر الاحتيال الإلكتروني في المصارف بنحو 30% سنويًا. وتشير ايضاً التجارب المحلية إلى تزايد الثقة في هذه التقنيات، نظرًا لما توفره من تحليلات فورية تمنع وقوع العمليات المشبوهة قبل إتمامها.

وفي المقابل، يظل قطاعا الزراعة والطاقة من أكثر القطاعات حساسية فيما يتعلق بالتدفقات المالية والدعم الحكومي. ومن هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في كشف طلبات الدعم الوهمية وضبط المخالفات من خلال تطوير أنظمة تجمع بيانات الحيازات الزراعية مع صور الأقمار الصناعية، مما يساعد في خفض نسب الطلبات المخالفة بشكل ملموس. أما في قطاع الطاقة، فيمكن اعتماد تطبيقات ذكية للمقارنة بين أسعار المُعدات في الأسواق العالمية وأرقام العقود المبرمة محليًا، مما يتيح اكتشاف فوارق تسعيرية كبيرة في وقت مبكر.

وفي قطاع السياحة، وهو أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تلعب دورًا محوريًا في تحسين الرقابة المالية وزيادة العوائد. فمن خلال تطوير منصة ذكية تربط بين بيانات الحجوزات الفندقية ومنظومات الدفع الإلكتروني وعدد الزوار المسجلين فعليًا، يمكن تتبع التدفقات المالية بدقة وكشف أي تباينات في الأرقام. مثل هذا النظام سيكون قادرًا على تحديد نقاط البيع التي لا تصرح بالأرقام الحقيقية لمبيعات التذاكر، مما يعزز الشفافية المالية ويحد من أي عمليات تلاعب. ومع تطبيق هذه التقنيات، يمكن للقطاع السياحي تحقيق زيادة ملموسة في العوائد، وضمان التزام جميع الجهات بالقوانين المالية المنظمة للسوق.

أما على صعيد المشروعات الضخمة والاستثمارات الكبرى في المؤسسات العامة، فتواجه الجهات المعنية تحديات متزايدة تتعلق بضبط حجم الإنفاق على البنية التحتية وضمان الاستخدام الأمثل للميزانيات. فمن خلال تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل العقود ومقارنتها بأسعار السوق العالمية بسهولة، مما يساعد في اكتشاف تضخم غير مبرر في التكاليف، أو رصد تفاوت بين المصروفات الفعلية والخطط الموضوعة. وقد أكدت تقارير مالية حديثة أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في إدارة المشتريات العامة أسهم في خفض الإنفاق بنسبة تصل إلى 20% في بعض القطاعات، بفضل سرعة كشف الفروقات المالية والقدرة على اتخاذ قرارات تصحيحية في مرحلة مبكرة.

وفي قطاعات المواصلات والخدمات العامة، يعزز الذكاء الاصطناعي كفاءة الرقابة المالية من خلال متابعة التدفقات النقدية للمشروعات الكبرى، مثل إنشاء الطرق وتطوير شبكات النقل وتنفيذ المشروعات الحضرية. إذ يتيح تحليل البيانات في الوقت الفعلي فرصة اتخاذ قرارات دقيقة تمنع تجاوز الميزانيات وتضمن الالتزام بالخطط المعتمدة.

كما تسهم هذه التقنيات الذكية بدور فعال في المؤسسات المعنية بالصحة والتعليم، حيث تُخصص ميزانيات ضخمة سنويًا. فبدلًا من إجراء مراجعات يدوية قد تخضع للأخطاء البشرية، تقوم الخوارزميات بتحليل آلاف العمليات المالية خلال لحظات، مما يقلل من احتمالية التلاعب ويحد من أي استغلال غير قانوني للتمويلات المخصصة للمشروعات التنموية.

وقد شدد تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عام 2022 على ضرورة تحديث الأطر التنظيمية والتشريعية لضمان الاستخدام العادل والفعال للذكاء الاصطناعي في الرقابة المالية. فمن المهم وضع معايير واضحة لحماية البيانات وضمان الحوكمة الرشيدة وتفادي التحيز الرقمي الذي قد يشوه مبدأ الشفافية.

ورغم الأهمية البالغة لهذه التقنيات الذكية، يظل تطوير الكوادر البشرية عنصرًا أساسيًا في نجاح أي نظام رقابة مالية ذكي. فالخوارزميات وحدها لا تكفي ما لم يكن هناك مختصون قادرون على تفسير النتائج وتحليلها بدقة. ولهذا السبب، تتجه العديد من المؤسسات العامة والشركات الخاصة إلى تدريب فرق التدقيق المالي على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي واكتساب مهارات التعامل مع التحليلات الرقمية لضمان اتخاذ قرارات صائبة وسريعة.

وفي النهاية، ومع تزايد الحاجة إلى ضبط الإنفاق وتعزيز النزاهة في مختلف القطاعات، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في أساليب الرقابة المالية. فتطبيق هذه التقنيات لا ينحصر في كشف المخالفات المالية فقط، وإنما يسهم أيضًا في تعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين في آليات إدارة المال العام والخاص. ومع استمرار تطور تكنولوجيا و تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يقترب العالم أكثر من حقبة حوكمة مالية قائمة على الذكاء والشفافية، لتصبح خيارًا حتميًا لا غنى عنه في المستقبل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :