استغلال غير قانوني للتواصل الاجتماعي
د. أشرف الراعي
14-03-2025 10:44 AM
لا شيء يُشعل الجدل في عصرنا الحديث أكثر من منشور فيسبوكي أو تغريدة مجهولة المصدر، مشحونة بالعواطف، تُعيد تشكيل قناعات الناس بين ليلة وضحاها؛ حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة للهرطقات، يختلط فيها الرأي بالحقيقة، والتضليل بالمعلومة، والكذب بالحقيقة المطلقة، في مخالفة واضحة للقوانين، لا سيما قانون الجرائم الإلكترونية.
لا يمر يوم دون أن نرى قصة مختلقة أو تصريحاً مُحرّفًا ينتشر كالنار في الهشيم، تحمله الكثير من الحسابات وتدعمه جيوش إلكترونية، حتى أصبح تزييف المعلومات صنعة قائمة بذاتها، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتلاعب البصري والمونتاج الاحترافي والانحراف الكلامي، مما يجعلنا عاجزين في كثير من الأحيان عن التمييز بين الواقع والخيال.
كل هذا في سياق بيئة رقمية تحكمها “الترندات”، بحيث يتم تسليع الآراء والمواقف، فتجد شخصاً ما يتحدث عن الفيزياء النووية صباحاً، ثم يتحول إلى خبير في السياسة الظهيرة، ليختم يومه بتحليل مباريات دوري أبطال أوروبا، في فوضى تُصنع بسبق الإصرار والترصد، والهدف شدّ الانتباه، وتحقيق التفاعل، وجذب المتابعين حتى ولو كان ذلك على حساب القانون والأخلاق والمجتمع.
لم تعد منصات التواصل مجرد مساحات للنقاش، بل تحوّلت إلى ميادين نزاع للآراء المتضادة، حيث لا مكان للحياد أو التفكير النقدي، وهكذا، أصبحت هذه المنصات مصانع لإنتاج الكراهية، إذ يتم دفع الأفراد نحو معسكرات فكرية مغلقة، لا تسمح بأي تساؤل أو مراجعة.. فيما المقلق أكثر أن كثيراً من هذه المعارك تُدار من قبل أشخاص يتلاعبون بالرأي العام.
وهذا كله يتم عبر توجيه النقاشات، وضخ المعلومات المضللة، ودفع أجندات معينة تخدم مصالح سياسية أو اقتصادية معينة قد لا تتفق في كثير من الأحيان مع التوجهات المنطقية ولا أحد يعرف ماذا يريد هؤلاء، وما يزيد الطين بلة أن بعض المستخدمين يستهلكون هذه الهرطقات دون تفكير، متجاهلين أبسط قواعد التحقق والتدقيق.
قد يبدو الواقع الرقمي قاتماً، لكن الحل ليس في مقاطعة هذه المنصات، بل في استخدامها بوعي ونضج، إذ علينا أن نمارس التفكير النقدي، وألا نقع ضحايا للانفعالات اللحظية، وأن نتعلم التحقق من المصادر قبل تصديق أي شيء، كما أن مسؤولية الحد من هذه الفوضى لا تقع فقط على الأفراد، بل على المجتمع ككل في التوعية بخطورة هذه المنصات الرقمية.
مواقع التواصل سلاح ذو حدين: إما أن نكون وقوداً لنار الهرطقات، أو أن نستخدمها كأدوات للمعرفة والحوار البناء، والخيار لنا، ولكن الثمن سيكون باهظاً إن اخترنا الطريق الخطأ… لذا فلنحافظ على وطننا ونلتفت إلى تطوره وازدهاره.