facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحزب المدني الديمقراطي .. تجربة لم تكتمل بعد


المهندس محمد النجداوي
27-03-2025 01:44 PM

لم يكن يوماً تأسيس الأحزاب السياسية محضَ إجراء تنظيمي، بل هو فعلٌ ثقافيٌّ وسياسيٌّ يتطلب وعيًا جمعيًا، ومسؤولية وطنية، وإرادة قادرة على تجاوز صراع الذوات نحو بناء مشروعٍ عامٍّ يستوعب التعدد والاختلاف. لقد انطلقنا في مشروع الحزب المدني الديمقراطي بحلمٍ يتجاوز الشخوص نحو الفكرة، وبإرادةٍ تبتغي تأسيس كيانٍ قادرٍ على صوغ سياساتٍ تنحاز للمصلحة الوطنية، لا لمعادلات النفوذ الضيقة. لكن كما هي العادة، سرعان ما اصطدمت هذه الطموحات بجدران الواقع، حيث لم يكن المناخ العام مهيأً لنضوج فكرة الحزب بقدر ما كان مستعدًا لاستنزافها في تعقيدات لا تنتمي إلى روحها الأصلية.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن العقبة لم تكن في النصوص التنظيمية، بل في الثقافة السائدة التي تغلب الولاء للأفراد على الالتزام بالمشروع، وتمنح الحسابات الضيقة حقَّ الفيتو على الفكرة الكبرى. لم تكن القيادة المؤقتة التي انبثقت عن التأسيس خطوةً نحو بناء هيكل ديمقراطي متماسك، بقدر ما كانت امتدادًا لعلاقاتٍ قديمة لم تأخذ بالحسبان التنوعَ الفكريَّ، ولا الكفاءةَ المطلوبة لقيادة المرحلة.

وحين بدأ الاستقطاب، لم يكن الغرض اجتذاب العقول القادرة على رفد المشروع بمضمونٍ فكريٍّ وسياسيٍّ ناضج، بل غلبت النزعةُ إلى تشكيل توازناتٍ داخليةٍ تستند إلى معادلاتٍ لا علاقة لها بالمنافسة الفكرية أو البرامجية، فوجدنا أنفسنا أمام عملية استقطابٍ لا تهدف إلى استجلاب الأفكار، بل إلى تثبيت مراكز النفوذ. هكذا، باتت المسألة صراعًا على المواقع، لا تنافسًا على بناء الرؤى.

مع اقتراب موعد المؤتمر التأسيسي، راودنا الأمل بأن تكون هذه اللحظة انطلاقةً لتأسيس ثقافةٍ حزبيةٍ تعترف بالتعدد وتحتكم إلى الديمقراطية لا إلى ترتيباتٍ مسبقةٍ تمليها موازين القوى داخل الحزب. لكن سرعان ما اتضح أن الآليات الانتخابية التي تم تبنيها لم تكن انعكاسًا لروحٍ ديمقراطيةٍ ناشئة، بقدر ما كانت ترجمةً لنزعةٍ متناميةٍ نحو تثبيت مراكز النفوذ، أكثر منها نحو بناء تجربةٍ ديمقراطيةٍ متماسكة.

بدلًا من أن يكون المؤتمر محطةً لترسيخ مبادئ الشراكة، تحول إلى إعادة إنتاجٍ للمشهد السائد في كثيرٍ من التشكيلات السياسية، حيث تسبق هندسةُ المواقع أيَّ حديثٍ عن البرامج والأفكار. وهكذا، تضاءل الحزب من فضاءٍ كان يفترض أن يكون مختبرًا للفكر والممارسة السياسية، إلى كيانٍ تنظيميٍّ يكرر أخطاء التجارب السابقة، لكنه يقدّمها بقوالب وعبارات جديدة .

لم يكن انتخاب المكتب التنفيذي سوى خطوةٍ شكليةٍ، إذ لم تلبث التجربة أن تكشفت عن إشكالاتٍ تنظيميةٍ معقدةٍ جعلت من بناء الهياكل الداخلية عمليةً شاقةً استنزفت الجهد والوقت في إدارة خلافاتٍ داخليةٍ، كان من المفترض أن تُستثمر في تطوير السياسات والبرامج. ظلت الفروع الحزبية عاجزةً عن التحول إلى منصاتٍ فاعلة، وبقيت اللجان القطاعية تفتقر إلى آلياتٍ واضحةٍ للعمل والإنتاج، حتى تحول العمل السياسي داخل الحزب إلى دائرةٍ مغلقةٍ من النقاشات، التي لم تنجح في اختراق الحاجز الفاصل بين التنظير والممارسة.

وعندما جاء وقت الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وجدنا أنفسنا أمام مشهدٍ لم ينضج بعد، حيث دخل الحزب المعترك الانتخابي دون رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحة، بل وسط جدلٍ لم يُحسم حول الأولويات والخيارات. لم يكن الفشل مجرد انعكاسٍ لعوامل خارجيةٍ أو لقصورٍ في الظروف السياسية، بل كان نتيجةً حتميةً لغياب التخطيط والتماسك التنظيمي.

إلى أين؟ مراجعةٌ لا تعني التراجع
بعد عامين ونصف من المحاولة، بات واضحًا أن الاستمرار بالنهج ذاته لن يؤدي إلا إلى إعادة تدوير الأزمة، فالبناء السياسي ليس مجرد لافتةٍ تُرفع، بل هو منظومةٌ تحتاج إلى بيئةٍ سليمةٍ، وإلى وعيٍ قادرٍ على تجاوز معادلات النفوذ الضيقة نحو بناء مشروعٍ وطنيٍّ حقيقي.

إن استقالتنا، أنا ورفاقي من المكتب التنفيذي، لم تكن تخليًا عن العمل السياسي، بل كانت تعبيرًا عن موقفٍ نقديٍّ تجاه تجربةٍ لم تكتمل، وعن قناعةٍ بأن الإصلاح لا يكون بالتمسك بمساراتٍ عقيمة، بل بالبحث عن آفاقٍ جديدةٍ تتيح ممارسةً سياسيةً أكثر نضجًا واتساعًا.

لسنا هنا لنكتب تأبينًا لتجربةٍ لم تُستوفَ شروطُها، بل لنؤكد أن السياسة ليست مسألة مواقع، بل مسألة رؤى وقيم. قد يكون هذا الفصل قد انتهى، لكن فكرة التغيير لا تزال تنتظر من يؤمن بأن الديمقراطية ليست شعارًا يُرفع، بل ممارسةٌ يوميةٌ تستوجب صبرًا، وإصرارًا، وجرأةً على إعادة النظر في كل شيء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :