"الإخوان" والمسار القانوني .. هل الطريق إلى الحل سالك؟
د. أشرف الراعي
23-04-2025 11:19 AM
منذ العام 1945 وحتى اليوم أدارت الدولة الأردنية علاقتها مع "الإخوان" بمنطق "الاحتواء الذكي"، غير أن المرحلة الراهنة تشهد تحولاً لافتاً نحو إعادة تموضع تدريجية ومنظمة؛ فهناك "ذكاء سياسي" واضح في عدم الذهاب إلى مواجهة مباشرة، بل اللجوء إلى القانون والقضاء لإصدار قراره المُقتضى.
تستفيد الدولة في ذلك من توافق بين الرأي العام والمؤسسة الرسمية، بل حتى من مواقف بعض نخب المجتمع المدني والتيارات اليسارية والقومية التي طالما كانت على خلاف مع الحكومة، لكنها تجد نفسها اليوم أقرب إلى موقف الدولة في مواجهة ما تعتبره مشروعاً عابراً للهوية الوطنية.
أما من الناحية القانونية، فالضمانات الدستورية قائمة؛ إذ تتيح المادة 16 من الدستور الأردني حرية تأليف الأحزاب، شرط ألا تتعارض أهدافها مع سلامة الدولة ونظامها الدستوري، كما يحدد قانون الأحزاب السياسية رقم 7 لسنة 2022 المعايير التي يُسمح فيها للحزب بالعمل، ومنها أن يكون أردنياً، مستقلًا عن أي تبعية خارجية، ويلتزم بالوسائل السلمية.
كما أن المادة 36 من قانون الأحزاب السياسية تضع الأمور في نصابها بوضوح؛ فالحزب يُحل بقرار من المحكمة في حال ثبتت إدانته بجرائم تمس الأمن الوطني، أو تحرّض على العنف، وإذا ثبت مثل هذا الارتباط، فإن للمحكمة أن تُصدر حكما بحل الحزب، وهو أمر لا يتم إلا عبر مسار قضائي مكتمل الأركان، تضمن فيه محكمة البداية النظر في الدعوى المرفوعة من قبل الحكومة، بعد صدور قرار جزائي قطعي.
غير أن هذا الإطار القانوني ليس جامدا، بل يتفاعل مع تحولات البيئة السياسية والأمنية؛ فالدولة، وإن بدت متريثة في السابق، فإنها اليوم تبدو أقرب إلى تحريك الملف الإخواني قانونياً وقضائياً لا سيما في ظل أنباء عن نية تفعيل قرار سابق بمنع "جبهة العمل الإسلامي" من العمل السياسي، وهو القرار الذي جُمّد في وقت سابق لأسباب تتعلق بالتوازنات الإقليمية.
البيان الأخير الذي أصدرته حركة حماس، وطالبت فيه بالإفراج عن خلية متهمة بتشكيل تنظيم إرهابي داخل الأردن، أعاد إشعال الشكوك القديمة حول العلاقة بين الجماعة الأم وامتداداتها في الداخل الأردني، وهذا التماهي، الذي بدا غير محسوب، لم يُقرأ فقط كدليل على استمرار الترابط التنظيمي بين التيارين، بل كمؤشر خطر على تداخل الأجندات وتجاوز الحدود الوطنية، وهو ما لا يمكن أن تقبل به أي دولة تريد الحفاظ على سيادتها وأمنها، لا سيما إن كانت في ظروف شبيهة في الأردن.. "البلد الذي ولد في رحم النار ولم يحترق".
ولربما كانت جلسات مجلس النواب الأخيرة خير مرآة لحجم التآكل الذي لحق بالحاضنة السياسية والشعبية للإخوان؛ فرغم أن الحزب ما زال يتمتع بكتلة نيابية مؤثرة – يُقدّر أن ثلث النواب يدينون له بالولاء – إلا أن الصدامات والمشاحنات التي فجّرتها تدخلاته كشفت عن مدى الاستياء الشعبي من خطابه وأسلوب عمله، حتى الأحزاب المعارضة الأخرى باتت ترى فيه عبئاً سياسياً لا شريكاً في التغيير.
ولا ترى الدولة اليوم أن أي مسار قانوني لحل حزب سياسي يمثل اعتداءً على التعددية أو تهديداً للديمقراطية؛ بل على العكس تماماً، فإن السكوت عن سلوكيات حزبية تتقاطع مع أجندات غير وطنية، أو تدعم خطاباً مهدداً للأمن الوطني، هو الخطر الحقيقي على الحياة الديمقراطية؛ فالقانون هنا لا يصبح أداة قمع، بل أداة حماية للكيان السياسي وللمجال العام، كما يرى مراقبون للملف.
في إطار هذا كله يحق للشارع الأردني التساؤل اليوم "هل الفرصة لا تزال قائمة، ولو ضئيلة، أمام الحزب لتقديم مراجعة سياسية وجنائية شاملة، تثبت أنه جزء من المشروع الوطني، لا مشروع ظل يتهدد الدولة من الداخل، وهل إذا أصرّ على خطاب المظلومية والاصطفاف الخارجي، سيجد نفسه خارج المشهد، بتوافق داخلي صلب لا يمكن تجاهله؟".. الأيام ربما ستكشف المزيد.