يوم العمال: تكريمٌ للجنود المجهولين في القطاع الطبي الأردني
حاكم الطعجان
01-05-2025 11:42 PM
يحلّ الأول من أيار من كل عام حاملاً معه عبق العرفان والتقدير لكل من يُسهم في بناء المجتمعات بجهده وتفانيه، إنه "يوم العمال"، المناسبة التي تُعيد الاعتبار لأولئك الذين لا يُسلَّط عليهم الضوء كثيرًا، رغم أنهم صمّام الأمان في كل أزمة، وركنٌ أساسٌ في مسيرة الوطن. وفي الأردن، حيث تُشرق شمس القيادة الهاشمية برؤيتها الإنسانية والحكيمة، يأخذ هذا اليوم بعدًا أعمق، يمتزج فيه الوفاء بالكرامة، والعمل بالعطاء الوطني.
وإذا كان لكل قطاعٍ من قطاعات العمل نُبلُه ودوره، فإن القطاع الطبي يستحق في هذا اليوم الحصة الأكبر من التقدير، ليس فقط لأنه يتعامل مع حياة الإنسان وصحته، بل لأنه يُمثل خط الدفاع الأول في وجه الأزمات، كما أثبت خلال جائحة كورونا التي اجتاحت العالم. كان أطباء وممرضو الأردن، إلى جانب الصيادلة والفنيين والإداريين، أبطالًا حقيقيين، يواصلون الليل بالنهار، ويُخاطرون بصحتهم من أجل حماية حياة الآخرين.
من موقع عملي كمنتسب للقطاع الطبي، لمست عن قرب حجم التحديات التي يواجهها زملائي في مختلف التخصصات، من ضغط العمل اليومي، إلى التعامل مع الحالات الحرجة، مرورًا بنقص الموارد أحيانًا، وانتهاءً بالتأثيرات النفسية الكبيرة التي يتركها العمل الإنساني العميق في أنفسهم. هؤلاء الجنود المجهولون يستحقون أن يكون لهم صوتٌ مرتفع في يوم العمال، وتقديرٌ يتجاوز الكلمات إلى الأفعال.
لقد أظهرت القيادة الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، إدراكًا عميقًا لأهمية الكوادر الطبية، فكانت التوجيهات السامية دائمًا تركز على تحسين أوضاعهم، وتوفير الدعم اللازم لهم، ماديًا ومعنويًا. لم تكن زيارة الملك للمستشفيات في عز الأزمة مجرّد بروتوكول، بل كانت رسالة واضحة بأن الوطن يضع العامل الطبي في مقدمة أولوياته. وكان دعم جلالة الملكة رانيا العبدالله للكوادر التمريضية والإدارية في القطاع الصحي تأكيدًا إضافيًا على التقدير الملكي للإنسان قبل الموقع.
ولا يمكن الحديث عن دعم القيادة الهاشمية للقطاع الطبي دون الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها سمو الأميرة منى الحسين، الرئيسة الفخرية للمجلس التمريضي الأردني، والتي لطالما كانت من أبرز الداعمين للكوادر التمريضية في الأردن. لقد كرّست سموها جزءًا كبيرًا من جهودها لتعزيز مكانة التمريض، ودعم تطوير التعليم والتدريب المهني، ورفع كفاءة العاملين في هذا المجال الحيوي. ويُعدّ المجلس التمريضي الأردني بقيادة سموها منصة مهمة لتعزيز السياسات الصحية التي تحمي حقوق الممرضين والممرضات، وتعمل على تحسين أوضاعهم المهنية والمعيشية، ما يعكس التزامًا ملكيًا حقيقيًا تجاه هذه الفئة التي تشكل عصب الرعاية الصحية في المملكة.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على ضرورة رفع مستوى الكوادر الطبية ماديًا ومعنويًا، منهم الأطباء والممرضين وغيرهم ممن يشكون ضعف الدخل المادي مقارنة بعملهم ورسالتهم الطبية، رغم حجم العمل الهائل والمخاطر اليومية. ونأمل أن يكون يوم العمال هذا حافزًا لكل صانع قرار لإعادة النظر في سلم الرواتب والحوافز، بما يُشعر العاملين بالعدالة ويمنحهم دافعًا للاستمرار والتطور. إن تحفيز الكادر الطبي ليس ترفًا، بل هو استثمار في استقرار المنظومة الصحية وسلامة المجتمع.
وفي ظل الرؤية الملكية المتجددة التي تحث على التحديث وتطوير القطاع الصحي، لا بد أن يكون يوم العمال هذا العام محطة للتأمل في الإنجازات، وفرصة لتجديد العهد مع الوطن. فالاستثمار الحقيقي لا يكون فقط في المعدات والتكنولوجيا، بل في الإنسان، في تدريب الطبيب، وتحفيز الممرض، وتمكين الإداري، وضمان حقوق الصيدلي والفني. هذه ليست رفاهية، بل ضرورة لضمان بيئة صحية متقدمة وعادلة.
ولعل من واجبنا أيضًا في هذا اليوم أن نُشيد بالعاملين خلف الكواليس، ممن لا يراهم أحد في الإعلام، ويُشكّلون الشريان الخفي الذي يمدّ المنظومة الصحية بالحياة. فنيّو المختبرات، وفنيو الأشعة، والمسعفون، وفنيو العلاج الطبيعي، والعاملون في التعقيم والتمريض المساند، ومساعدو الصيادلة، وخبراء التغذية، وفنيو السجلات الطبية، ومقدّمو الخدمات اللوجستية، وكل من يسهم بصمتٍ في دعم المنظومة الصحية — هؤلاء جميعًا لهم بصمتهم التي لا يمكن إنكارها. فتكامل الأدوار هو ما يصنع الفرق، والتقدير لا يجب أن يُوجه فقط للواجهة، بل لكل مَن أسهم في رفعة هذا القطاع.
في الختام، يبقى يوم العمال مناسبة لتجديد الوفاء لطبقة لا تُقدر بثمن، وخصوصًا في القطاع الطبي الذي بات يشكل نموذجًا وطنيًا في البذل والتفاني. وتحت مظلة القيادة الهاشمية، نستبشر خيرًا بمستقبلٍ يُعلي من قيمة الإنسان، ويُكرم من يكدّ ويتعب من أجل صحة وأمان مجتمعه. كل عام وعمال الأردن، وبالأخص ملائكة الرحمة، بألف خير.