بين مؤشرات صندوق النقد ومعيشة الناس
أ.د تركي الفواز
14-05-2025 12:14 AM
* قراءة تحليلية في اتفاق الأردن وصندوق النقد الدولي
في إطار الشراكة الاقتصادية بين الأردن وصندوق النقد الدولي، يُنفذ الأردن حاليًا برنامجًا اقتصاديًا ضمن ما يُعرف بـ"تسهيل الصندوق الممدد"، والذي تبلغ قيمته الإجمالية حوالي 1.2 مليار دولار، يهدف هذا البرنامج إلى دعم جهود الحكومة الأردنية في تحقيق الاستقرار المالي، وتعزيز النمو الاقتصادي، ومواجهة التحديات الهيكلية من خلال إصلاحات تشمل المالية العامة وقطاعي المياه والطاقة وتحسين بيئة الاستثمار، ومؤخرًا أعلن عن التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الثالثة لهذا البرنامج، الأمر الذي يمهد لصرف دفعة جديدة بقيمة 130 مليون دولار ويُعد إشارة إلى التزام الأردن بالمضي قدمًا في أجندة الإصلاحات الاقتصادية.
ورغم ما حمله إعلان صندوق النقد من إشادة بالسياسات الاقتصادية الأردنية والتقدم المحرز في تنفيذ البرنامج، إلا أن تساؤلات جوهرية ما تزال مطروحة حول مدى انعكاس هذه المؤشرات الاقتصادية الكلية على الواقع اليومي للمواطن الأردني، ففي الوقت الذي يتوقع فيه الصندوق نموًا اقتصاديًا بنسبة 2.7% خلال عام 2025، مع بقاء التضخم ضمن حدود 2%، يبدو أن هذه المؤشرات الإيجابية لم تترجم بعد إلى تحسن ملموس في ظروف المعيشة، حيث تستمر معدلات البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، ويظل هذا النمو عاجزًا عن خلق فرص عمل نوعية ومستدامة.
وتشير المعطيات إلى مجموعة من الآثار السلبية التي باتت واضحة على حياة الناس، من أبرزها ارتفاع كلفة المعيشة نتيجة ارتفاع أسعار بعض الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه نتيجة لتقليل الدعم الموجه، وهو ما يُتوقع أن يستمر في إطار إصلاحات القطاعين ، كما يظهر ضعف الأثر السريع للنمو على سوق العمل حيث يُركز النمو الحالي على قطاعات تقليدية لا تخلق وظائف جديدة نوعية أو مجزية، في وقت يُرجح فيه أن يواجه افراد المجتمع ضغوطًا ضريبية إضافية إذا ما لجأت الحكومة إلى توسيع القاعدة الضريبية أو رفع الضرائب لسد العجز المالي، ولا تقتصر التحديات عند هذا الحد إذ تشهد فرص التوظيف في القطاع العام تقلصًا واضحًا في ظل سياسات ضبط النفقات ، إلى جانب اتساع فجوة التنمية بين العاصمة والمحافظات، ما يعمّق من غياب العدالة الجغرافية.
ورغم أهمية التمويل والدعم الفني الذي يتيحه الاتفاق، إلا أن هناك مجموعة من السلبيات التي لا يمكن تجاهلها، إذ أن رفع الدعم التدريجي عن الخدمات الأساسية سيزيد العبء المعيشي على الأسر محدودة الدخل، وقد تؤدي السياسات المالية المُتبعة إلى فرض ضرائب جديدة تُضعف القوة الشرائية، كما يُؤخذ على الاتفاق تركيزه المفرط على المؤشرات المالية المحاسبية على حساب معالجة التحديات الاقتصادية الحقيقية مثل ضعف الإنتاج المحلي، وتفاوت التنمية، والهجرة الريفية، إضافة إلى ذلك لا يتضمن الاتفاق حلولًا تشغيلية مباشرة للشباب أو استثمارًا واضحًا في تطوير مهاراتهم.
في ضوء ما سبق، يبدو أن التحدي الحقيقي لا يكمن في الحصول على التمويل الدولي، بل في كيفية إدارته بكفاءة وعدالة، بما يُفضي إلى إصلاح اقتصادي يُشعر به المواطن في معيشته اليومية ، إن استمرار الإصلاحات دون بُعد اجتماعي فعّال، قد تُضعف فعالية السياسات الإصلاحية وتحد من قدرتها على تحقيق توافق مجتمعي واسع، من هنا فإن الإصلاح الاقتصادي لا يجب أن يكون مجرد استجابة لشروط خارجية، بل يجب أن يُصاغ ضمن رؤية تنموية شاملة تركز على تشغيل الشباب، وتنمية المحافظات، وتحفيز ريادة الأعمال، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية،الإصلاح الحقيقي لا يُقاس فقط بأرقام الموازنة أو معدلات النمو، بل بما يشعر به المواطن في جيبه، وأمنه الوظيفي، واستقرار حياته اليومية، وهو ما يجب أن يكون البوصلة الحقيقية لأي برنامج اقتصادي يُراد له النجاح والاستدامة.