مجاعة في القرن الواحد والعشرين
مصطفى القرنة
18-05-2025 04:13 PM
في القرن الواحد والعشرين، حيث يُفترض أن يكون العالم قد بلغ ذروة التطور الحضاري، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ مروّع: مجاعة تُفتك بشعبٍ بأسره، أطفالٌ ونساءٌ وشيوخٌ يُقتلون بلا رحمة، ودماءٌ تُراق في صمتٍ مطبق. أين ذهب كل ما نادى به دعاة حقوق الإنسان، وأين اختفت القيم التي طالما تغنوا بها؟ هل أصبحت تلك المبادئ مجرد كلمات جوفاء تُقال في المؤتمرات وتُكتب في الوثائق، بينما تُنتهك على أرض الواقع دون رادع؟
لقد أظهرت الحرب على غزة أن العالم المتحضر الذي طالما اعتقدنا بوجوده، هو مجرد وهم. فبينما تُرفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تُرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين العزل في غزة. تُدمّر المنازل، تُستهدف المستشفيات والمدارس، ويُحاصر الناس في ظروفٍ لا إنسانية، وكل ذلك تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنًا.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد حرب، بل هو اختبار حقيقي للإنسانية. هل نحن حقًا بشرٌ إذا سكتنا عن هذه الجرائم؟ هل نملك من القيم ما يدفعنا للوقوف في وجه الظلم؟ أم أننا مجرد كائناتٍ تبحث عن مصالحها الذاتية وتغض الطرف عن معاناة الآخرين؟
لقد كشفت هذه الحرب عن ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. فبينما تُفرض عقوباتٌ وتُتخذ إجراءاتٌ صارمة ضد بعض الدول لانتهاكها حقوق الإنسان، نجد أن الجرائم المرتكبة في غزة تُغضُّ عنها الأبصار. تُستخدم لغة الاستعلاء والتعالي لوصف الفلسطينيين، ويُقلل من شأن معاناتهم، بينما يُحتفى بكل ما هو إسرائيلي.
إن ما يحدث في غزة هو دعوةٌ لنا جميعًا للتفكير في مصيرنا كمجتمع إنساني. هل سنظل صامتين أمام هذه الجرائم، أم أننا سننهض لنقول كلمتنا؟ هل سنسمح بأن تُمحى غزة من الذاكرة، أم أننا سنجعلها رمزًا للنضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية؟
إن غزة ليست مجرد قطعة أرض، بل هي ضمير الإنسانية. وإذا سقطت غزة، سيسقط معها كل ما نعتقد أنه قيم ومبادئ. فلنقف جميعًا مع غزة، ولنعمل على أن يكون القرن الواحد والعشرون قرنًا للإنسانية، لا للظلم والاستبداد.