أحسنت نقابة الصحفيين بإصدار قرار بملاحقة كل من ينتحل صفة "صحفي"؛ فمن الضروري اليوم أن يعيش البلد استقراره في الإعلام كما هو في الواقع؛ إذ طفح الكيل كلاما فارغا من مضمونه، وانتشار واسع للمعلومات المضللة، حيث أصبحنا نعيش في زمن تحوّل فيه الفضاء الرقمي إلى ساحة فوضوية يعج بها مدعو الصحافة، ممن يفتقرون إلى أبسط معايير المهنية، ويتعاملون مع الكلمة على أنها أداة للضغط أو الابتزاز أو الترويج للشائعات.
بات من المعتاد أن تطغى العناوين الصاخبة، وأن تتحول المنصات إلى مسارح للتهويل أو التشويه، بينما يغيب العمل الصحفي الرصين، القائم على التحقق والدقة، وهذه الحالة لا تمس فقط صورة الإعلام، بل تضرب الثقة العامة، وتشكل خطرا على وعي الناس وأمن المجتمع؛ فالصحافة، في جوهرها، سلطة رقابية مسؤولة، لا منبرا عشوائيا.
حرية التعبير مبدأ كرسه الدستور الأردني، وهي ركيزة أساسية للدولة الحديثة، لكن لا يمكن الخلط بينها وبين التسيب أو الفوضى الإعلامية؛ فثمة فارق جوهري بين “الحرية” و”انتحال الدور المهني”، ومن يدعي أنه صحفي دون أن يمتلك الصفة القانونية أو الانتساب إلى نقابة الصحفيين، لا يمارس حرية، بل يرتكب مخالفة قانونية صريحة.
وهنا يتجلى البعد القانوني بوضوح؛ إذ أن قانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998 وتعديلاته، يشترط في مادته (2) أن يكون الصحفي منتسبا لنقابة الصحفيين الأردنيين، والتي تملك بموجب المادة (11) من قانون النقابة صلاحية تنظيم المهنة وحمايتها، بما يشمل اتخاذ الإجراءات القانونية ضد منتحلي الصفة. كما أن قانون العقوبات الأردني يجرم منتحل الصفة في المواد الخاصة بانتحال الوظائف أو الصفات الرسمية، فضلا عن إمكانية تكييف بعض الأفعال ضمن قانون الجرائم الإلكترونية.
القرار الذي اتخذته النقابة ليس رد فعل مؤقتا، بل ضرورة وطنية لحماية المهنة من العبث، ولحماية الجمهور من التضليل؛ فالمعركة اليوم لا تقتصر على منتحلي صفة الصحفي، بل تمتد إلى مواجهة ثقافة “الاستسهال الإعلامي” وغياب التمحيص والانزلاق نحو الاستعراض على حساب الحقيقة والمهنية.
شكراً للنقابة ولكننا بحاجة مستقبلاً إلى جهد أوسع في مراجعة كل التشريعات الناظمة للعمل الصحفي، والبدء بتحرك فوري لإعادة الأمور إلى نصابها في الكثير من المفاصل.