البِترا .. بين الحفاظ على الهوية وحملات تسويق بلا هوية
د. اسماعيل ابوعامود
29-05-2025 08:11 PM
في الآونة الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خبرًا عن تنظيم حفلٍ غير لائق في قلب مدينة البِترا الأثرية، أحد اهم مواقع التراث العالمي، واحد عجائب الدنيا السبع. لا يهمني أسماء المنظمين أو الجهات الداعمة أو حتى تكلفة الحفل، بل بسؤالٍ أكثر عمقًا وأهمية: هل يليق بالبِترا أن تتحول إلى منصة لفعاليات لا تمت لقيم الاردنيين وثقافتة وتاريخية بأي صلة؟
البِترا ليست مجرد موقع سياحي، ولا هي فقط وجهة للسائحين من كل أنحاء العالم. إنها رمز للأردن، جذوره التاريخية، وهوية شعبه الذي فَخِرَ بها ودافع عنها، واحتضنها رغم كل الصعوبات الاقتصادية والتحديات الاقليمية. لقد كرس العلماء الأردنيون والعالميون حياتهم لكشف اسرار وكنوز هذه المدينة النبطية، ولنشر علمها وثقافتها في جامعات العالم والمهتمين. ومن هنا، فإن أي تصرف قد يُسيء إلى هيبتها هو اعتداء على الهوية الوطنية نفسها.
من المؤلم أن نتساءل اليوم: هل تحولت البِترا، التي كانت وما زالت مصدر فخر لكل أردني، إلى سلعة تُستخدم لتحقيق مكاسب تسويقية سريعة، دون مراعاة قيمتها الحقيقية؟ هل أصبحت ضحية لجهود تسويقية تفتقر إلى الفهم الحقيقي للتراث، وتستبدل الجمال الثقافي بالموسيقى الصاخبة، والصور المثيرة، والأحداث التي لا تعكس إلا صورة مشوهة عن البلد؟
السياحة في الأردن تمر بتحديات حقيقية، هذا صحيح. لكن الاستعانة بفعاليات لا تتناسب مع طبيعة المكان، واستهداف الشباب حول العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي بمحتوى يخلو من التعريف الحقيقي بالثقافة المحلية، ليس حلاً، بل هو تعميق للأزمة.
خلال زيارة مؤخراً لهولندا، ولقائي بعدد كبير من طلبة احدى الجامعات هناك، أدركت مدى هشاشة المعرفة عن الأردن لدى كثير من الشباب الأوروبي. باستثناء طالبة واحدة، لم يكن لدى أي منهم علم بأن الأردن بلدٌ غنيٌ بالآثار والطبيعة والضيافة العربية الأصيلة. فكيف لنا أن نبني صورة حقيقية عن وطننا إذا ما تم تصدير محتوى يليق بتاريخ الاردن وقيمته.
نعم، نحتاج إلى تسويق متجدد وفعّال للسياحة في الأردن، لكن ليس بأي ثمن. التسويق يجب أن يكون انعكاسًا حقيقيًّا لروح الأردن، لتاريخه، لثقافته، لكرم أهله، وليس بتحويل مواقعه الأثرية لاقامة فعاليات تثير الجدل أكثر مما تحقق الهدف.
بدلاً من ذلك، يجب أن تركز الجهود الحكومية والقطاع الخاص على إنتاج محتوى يعكس كنوز الأردن الحقيقية: آثاره، طبيعته، تراثه الشعبي، وحتى مطبخه، وعلاقاته المجتمعية. فيديوهات تروي قصة البِترا، وعين غزال، وجبل نيبو، وكهف سيدنا عيسى، وأم قيس، ووادي رم، وطرق الحج الاسلامي والمسيحي وطرقالتجارة. فيديوهات تنقل الصورة الحقيقية عن الضيافة الأردنية، عن مجتمع يحمي الجميع، ويقدّر الإنسان قبل المكان.
المسؤولية لا تقع على جهة واحدة. القطاع العام عليه دور في وضع حدود واضحة لما يجوز وما لا يجوز في التعامل مع المواقع التراثية، كما عليه دعم القطاع الخاص في تجاوز الصعوبات الاقتصادية الحالية.
نرفع القبعات للاجهزة الامنية على جهودهم المشهود لها على توفير الامن والامان لمواطني الاردن وضيوفه وللمواقع الاثرية على امتداد الوطن.
دولة الرئيس ،وانتم ابن الاردن والغيور علية كغيرة جميع الاردنيين، إن البِترا أمانة في أعناقنا جميعًا. وهي أيضًا رسالة حضارية نحملها للأجيال القادمة.
هناك الكثير مما يمكن قوله، ولكن ليس كل ما يعرف يقال…
Ismaiel005@yahoo.com