نهاية إسرائيل والمراحل الثلاث
خالد قشوع
17-06-2025 07:35 PM
مع كمية ونوعية الأحداث التي تتوالى في الشرق الأوسط منذ السابع اكتوبر وحتى اليوم فقد اصبحنا أمام نتيجة واضحة وهي ان خريطة الإقليم السياسية، والجيوسياسية ذاهبة الى التغير لا محالة بناء على التطورات العسكرية المتسارعة، والمبنية على الرؤيا الجيوستراتيجية للأطراف المتحاربة. وعليه فأننا أمام مشروعين لا ثالث لهما، فإما إنتصار إسرائيل وقيامة مشروع إسرائيل الكبرى، أو أفول نجمتها الزرقاء واضمحلالها. وهذا ما يحدث على ثلاثة مراحل وهي:
المرحلة الأولى: ثورة أصحاب الأرض.
منذ أكثر من عشرين شهر انتفض اهل قطاع غزة في مواجهة الحصار الظالم عليهم الذي يعد اطول حصار في التاريخ، وقد كان السابع من اكتوبر نتيجه طبيعية للسياسات الاسرائيلية تجاه أصحاب الأرض الأصليين، فقد كان رد فعل ولم يكن فعلاً . وقد شاءت إسرائيل كأي محتل كلاسيكي أن تلجأ إلى أقدم الحلول الاستعمارية، واسهلها في مواجهة أصحاب الأرض، وهي استخدام القوه كل القوة اللازمة لإخضاعهم دون مراعاة اي معايير إنسانية عالمية وحتى دون الاكتراث بصورتها الدولية، فأوغلت صدور العامة والخاصة عليها سواء أكانوا حلفاء أو أصدقاء أو حتى أعداء مجمدين.
لم تتوقف معضلة إسرائيل عند خسارتها حربها الاعلامية ومصداقيتها، بل انها امتدت لتصل الى نتيجتها الطبيعية وهي ان لا تستطيع ان تتغلب على مقاومة اهل الارض بغض النظر عن ما اعملت فيهم من قتل، وارهاب. وكانت كلما اكثرت من الدماء اشتدت مقاومة اهل الارض، فقد جردتهم من اي شئ يخسرونه فأصبح أشد القتال قتال اليائس، الذي يقاتل وخلفه البحر غير مترجي المدد أو النصره. علاوة على ذلك فانه يقاتل من منطلقين عقائدي، ووطني. ومع فشل إسرائيل في القضاء على مقاومة اصحاب الارض انتقلت أوتوماتيكيا الى المرحلة الثانية من مراحل التدمير الذاتي.
المرحلة الثانية: تصدير الأزمة وقنابل الدخان.
بعد الفشل المخزي على جميع المستويات لاسرائيل في القضاء على المقاومة، او الوصول الى شكل من اشكال الانتصار داخل فلسطين التاريخية. خرجت إسرائيل من مرحلة الخوف الوجودي الى مرحلة الارتباك التكتيكي، فأخذت بالتخبط فتارة تريد القضاء على حزب الله، وتارة وتارة تريد استفزاز سوريا، وتارة تتحدى مصر في محاولة لجس نبض حلم إسرائيل الكبرى الذي تأكد للمستوطنين سخف هذا المشروع واستحالة تنفيذه. وقد صار المزاد على "حرب لاسلكية " ان جاز التعبير بين إسرائيل وايران قوامها الصواريخ ولا يمكن ان تنتهي بمعارك برية والتي تعد نقطة ضعف إسرائيل وميزة اعدائها.
إن القاسم المشترك الاكبر بين كل من ايران واسرائيل هو ان كلاهما اصحاب نفس طويل، ألا أن ايران صاحبة نفس طويل في الحرب والسياسية، على عكس إسرائيل التي لديها نفس سياسي طويل، ونفس عسكري محدود جداً. ولنا في الحرب العراقية - الايرانية عظة وعبرة.
اما عن الدور الأمريكي فهي ليست افضل حالاً من إسرائيل نفسها، ففي داخل امريكي يعاني من اعلى درجات الاستقطاب السياسي ليس فقط بين الديموقراطيون، والجمهوريون. بل ان الحزبان يعانيان من حالة استقطاب داخلية تاتي في اسوأ توقيت ممكن في ظل حرب استنزافية في شرق اوروبا فشلت كل من ادارة بايدين وترامب الى اليوم في الوصل لتسوية لهذا الصراع الذي يقوده المحور الشرقي الناشئ. وان أمكن ما يخشى منه الساسة في واشنطن ان سقوط إسرائيل سيأخذ معه شكل النظام العالمي الحالي.ويعلن بداية النظام العالمي الجديد متعدد الاقطاب بعد هزيمة وكلاء الولايات المتحدة على أهم جبهتين حظيت بهما منذ الحرب العالمية الثانية.
مما يقودنا الى المرحلة الثالثة في نهاية إسرائيل، بعد ان تتخلى الولايات المتحدة عنها نتيجة تغير بوصلة المصالح اقليما ثم الضغط الشعبي والازمات داخل الولايات المتحدة ثم انتهاء الدور الوظيفي لاسرائيل بصورتها الحالية في الشرق الأوسط.
علينا ان لا ننسى ان الغرب يقيس كل شئ بمزان المكسب والخسارة وان تكلفة الابقاء على اسرائيل هي اعلى بكثير من الأرباح التي تحققها.
المرحلة الثالثة: السقوط الحر.
بغض النظر عن نتيجة المعركة بين اسرائيل وايران فمما لا شك فيه ان اسرائيل ستخرج من هذه المعركة جريحة ومنهكة عسكرياً، وداخلياً، وبصورة سياسية مشوهة تحولها الى دولة منبوذة لا تريد اي دولة ان ترتبط بها في الوعي الجمعي العالمي. وبالرغم من كل هذه المعطيات فإن العقلية الاسرائيلية المغيبة سترفض الاعتراف بالواقع وستستكمل حربها على احدى دول الاقليم ولكن في هذه اللحظة بالذات سوف تتفاجأ بأنها لم تعد صاحبة الكلمة العليا في الاقليم وستمنى بهزيمة تُنهي اسرائيل بشكلها الحالي، ولا اعني ان فلسطين التاريخية ستعود كدولة بل ان فكرة اسرائيل كدولة يهودية ستنتهي الى الابد.