facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حرب الإنهاك المتبادل: هل آن أوان العقل؟


حجازي البحري
18-06-2025 03:54 PM

في لحظة فارقة من عمر الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان المحتل، تتكشف أمامنا حقيقة سياسية وعسكرية طالما تجاهلتها الأطراف المنخرطة في المواجهة: لا منتصر في حرب الاستنزاف، ولا غالب في مواجهة مفتوحة بين طرفين يمتلكان أدوات القوة، لكنهما يفتقدان البوصلة.

بعد أسابيع من التصعيد والضربات المتبادلة، بات واضحًا أن الطرفين قد بلغا حافة الإنهاك، وأن معادلة “الردع” تحوّلت إلى نزيف مفتوح. فإسرائيل، التي طالما صدّرت صورة القوة العسكرية والاستخباراتية الساحقة، وصلت اليوم إلى مرحلة خطرة – ليس فقط على مستوى الجبهة الداخلية، بل على مستوى تماسك القرار السياسي والعسكري.

طلب النجدة: مؤشر الانكسار لا الشجاعة

طلب الكيان المحتل العلني للمساعدة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين يُعدّ تطوراً بالغ الدلالة، ليس من حيث التوقيت فحسب، بل من حيث الدلالة الاستراتيجية. للمرة الأولى، يعترف الكيان ضمنيًا أن قدراته الذاتية لم تعد تكفي لاحتواء الضربات الإيرانية. لم يعد الردع كافيًا، ولم تعد الجبهة الداخلية محصنة، ولم يعد القادة يثقون بأن الحرب يمكن أن تُدار وفق حساباتهم السابقة.

لكنّ المعضلة الأكبر تكمن في الطرف الذي طُلب منه التدخل: الولايات المتحدة وحلف الناتو. فهذه الأطراف – رغم تحالفها الوثيق مع إسرائيل – تُدرك أن الدخول المباشر في المواجهة سيعرّض قواعدها وقواتها المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا والأردن للخطر المباشر. أي إعلان رسمي بالمشاركة سيُفجّر الإقليم ويهدد المصالح الغربية في عمق الشرق الأوسط، وربما يُعيد تشكيل التحالفات الدولية على نحو غير مسبوق.

النووي: خط أحمر عالمي

فرضية استخدام السلاح النووي، التي تُثار في الخطاب الإعلامي عند كل تصعيد، لا تخرج عن كونها حربًا نفسية لا أكثر. فإيران تدرك أن استخدام مثل هذا السلاح سيُفجّر الإجماع الدولي ضدها، كما أن إسرائيل – رغم امتلاكها قدرات نووية غير معلنة – لا تملك الغطاء السياسي والأخلاقي لاستخدام هذا السلاح في منطقة تعج بالقواعد الأمريكية، والممرات النفطية، والمدن المكتظة بالبشر.

أي استخدام للسلاح النووي في هذه الجغرافيا لا يعني حسم المعركة، بل تفجير النظام العالمي بأكمله. وهذا خط أحمر لا أحد يجرؤ على تخطيه، مهما بلغ من جنون أو قوة.

إيران والكيان: دروس في حدود القوة

لعل أبرز ما يمكن استخلاصه من هذه المرحلة الحرجة هو أن الطرفين، إيران والكيان، تلقّيا صفعة استراتيجية مؤلمة. كلاهما مارس التهديد والوعيد لعقود. كلاهما بنى أسطورته السياسية على شعارات الصلابة والهيمنة. لكنّ اللحظة الحالية تكشف بجلاء أن القوة وحدها لا تصنع النصر، وأن الإفراط في التهديد يُفرغ الردع من معناه.

إيران، رغم مرونتها العالية، تكتشف الآن أن استمرار المواجهة سيقوّض برامجها التنموية، ويزيد من عزلتها الاقتصادية والسياسية، ويؤثر على استقرار ساحاتها المتعددة.

والكيان المحتل، في المقابل، يواجه أزمة ثقة داخلية، واستنزافًا اقتصاديًا، وتآكلًا في صورة الردع التي بنتها مؤسساته منذ نكسة 1967.

الفرصة الضائعة… أم الممكن المتاح؟

لقد آن الأوان لإعادة تعريف وظيفة الدولة في هذه المنطقة. لا التنمية ممكنة في ظل الصراع الدائم، ولا الاستقرار يمكن أن يُبنى على جماجم الأبرياء. وإذا كان لا بد من مخرج سياسي، فليكن من بوابة الاعتراف بالواقع الجديد: لا طرف يمكنه تصفية الآخر، ولا مشروع يمكنه إلغاء الآخر، ولا إقليم يمكن أن يستمر تحت ضغط الحرب والتوسع والردع إلى الأبد.

المنطقة تحتاج إلى لغة جديدة: لغة التعاون، لا التهديد. لغة التنمية، لا العقوبات. لغة الشراكة، لا الاصطفافات.

الرسالة إلى صانع القرار الأردني

إن استمرار المواجهة دون أفق سياسي سيؤدي إلى تحولات أمنية واقتصادية خطيرة على مستوى الإقليم بأكمله. والأردن، بجغرافيته وعمقه السياسي، لا يمكنه أن يبقى على هامش هذا التحوّل. المطلوب اليوم تحرك دبلوماسي فاعل، يُعيد طرح المنطقة كأولوية تنموية دولية، ويمنع جرّها إلى معركة طويلة الأمد لا يستفيد منها أحد.

الأردن قادر على أن يكون قوة توازن، شريطة أن يُحسن قراءة اللحظة، ويُدرك أن صمته ليس حياداً، وأن استقالته من الدور الإقليمي خسارة لا يمكن تعويضها.

بل إن الفرصة متاحة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لأن يلعب الأردن دور الوسيط الفاعل والإيجابي، انطلاقاً من علاقاته المتوازنة مع مختلف أطراف الإقليم، ومن رصيده السياسي والدبلوماسي الموثوق دوليًا. فبإمكانه أن يفتح قنوات للحوار الهادئ بعيدًا عن منطق الاصطفاف، وأن يُعيد التذكير بالحاجة إلى منظومة إقليمية قائمة على الاحترام المتبادل، لا منطق التهديد المتبادل.

إننا أمام لحظة مفصلية، تتطلب من الأردن أن يُوظّف ثوابته السياسية، وخبرته الدبلوماسية، لبناء جسور التهدئة والتفاهم، بدل أن يُترك الإقليم رهينة لصراع لا رابح فيه، ولا أفق له.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :