تعيش العديد من الدول من حولنا في ظروف مضطربة. تتسارع الأحداث بشكل لافت وتتداخل الحقائق بالشائعات، حتى بات من الصعب التمييز بين المعلومة والتضليل، وبين حرية التعبير والفوضى الفكرية. في ظل هذا المشهد الملتبس، يغدو الحفاظ على الوطن مهمة نبيلة لا تُلقى على كاهل جهة بعينها بل تتوزع على الجميع؛ مؤسسات وأفراد. إعلاميين ومثقفين. نواب ومسؤولين.
في زمنٍ صارت فيه منصات التواصل الاجتماعي مساحات مفتوحة لكل من شاء أن يقول ما شاء، تُطرح تساؤلات جوهرية؛ من يضبط إيقاع الخطاب العام؟ ومن يُحصِّن المجتمع من هجمات الكراهية والتطرف والتفاهة؟
لم تعد التشريعات وحدها - على ضرورتها - كافية، بل أصبح من الضروري أن نعيد إحياء منظومة الضوابط الأخلاقية والإنسانية، التي تشكل درعا واقيا لحماية نسيجنا الاجتماعي من الانقسام. فليس هذا مجتمعنا الذي عشنا في كنفه وليس هذا هو ما تأسس عليه الأردن من محبة وتآخ.
ومع الظروف السياسية الحالية الضاغطة، نشاهد – للأسف، موجات من الترهات والتفاهات، التي تتنقل كالنار في الهشيم، يغذيها التطرف "غير الواعي" أحيانا والإعلام غير المسؤول أحياناً أخرى. مشاهد عبثية تتصدر الفضاء الرقمي. شائعات تُبث. وترويج لخطاب الهدم أحياناً. تجييش إقليمي ومناطقي معروف من يقف خلفه يحاول أن يقوض الثقة بين مكونات المجتمع، وكل ذلك تحت غطاء "الرأي الآخر"، وهو غطاء زائف إن لم يكن مرتبطاً بالمسؤولية والانتماء.
إن من يُحكِم نفسه في هذا الزمن هو من يُدرك أن "الكلمة مسؤولية"، وأن الوطن ليس ساحة لتجريب الانفعالات أو تصفية الحسابات، بل هو بيتٌ للجميع، لا يستقيم حاله إلا بالتزامنا الجمعي بقيمه وثوابته؛ فلا يجوز أن تفهم "حرية التعبير" على أنها إساءة وتجريح، ولا أن تتحول النقاشات العامة إلى فضاءات للإقصاء والتخوين.
بلادنا ليست بمنأى عن تحديات الإقليم والعالم، لكن ما يميزها هو هذا التوازن الذي لا يزال قائما، وهو توازن محسوب صاغته القيادة السياسية رغم ما يحيط بها من عواصف، وهذا التوازن لن يدوم ما لم نحصن خطابنا العام من الداخل، ونغذيه بروح التعددية والمسؤولية.
تزداد الحاجة اليوم إلى خطاب وطني جامع، يعلي من شأن الحقيقة، ويقاوم السلبية، ويقف بصلابة في وجه كل خطاب متطرف أو إعلامي يعبث بثقة الناس بمؤسساتهم، أو يفرغ الأمل من نفوس الشباب. خطاب لا ينكر التحديات، بل يواجهها بالحقائق، ويؤمن أن الإصلاح لا يكون بالانفعال بل بالفعل والمثابرة. وهو خطاب بدأ يتكرس بقرارات نقابة الصحفيين الأردنيين الأخيرة بضبط هذا القطاع بوسائل قانونية.
تمر المنطقة اليوم بظروف صعبة، ولكن الوطن بكل ما يملكه من إرثٍ حضاري وقيمة إنسانية يستحق أن نحميه بالكلمة الطيبة وبالفعل الصادق وبالرفض القاطع لكل ما يهدد وعي أبنائه، وذلك من خلال بث المعلومات الصحيحة والابتعاد عن الشائعات وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية في مواجهة أي خطاب هدام ومراقبة هذا الخطاب بشكل مستمر والتوعية بمخاطره ليكون كل أردني أردنيا بمعنى الكلمة.. لا عين له إلا على البلاد.. فبلادنا هي الملاذ الأخير لنا فلنحافظ عليها.