facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مشروعٍ عربيٍّ جامعٍ وفاعل


المهندس محمد النجداوي
20-06-2025 06:11 PM

الشرق الأوسط في مرآة الأطماع وصراع المشاريع

عند تقاطع الجغرافيا العالمية، حيث تلتقي الحضارات وتتضارب المصالح، يقف الشرق الأوسط منذ زمن بعيد ساحةً مفتوحة لصراع المشاريع الكبرى. منطقةٌ وهبتها الطبيعة ثرواتٍ هائلة ، ومنحتها الجغرافيا موقعًا استراتيجيًّا لا مثيل له، فإذا بها اليوم عالقة في دوّامة صراعات إقليمية ودولية، يدفع ثمنها الإنسان، ويُهدَر فيها المستقبل.

أربعة مشاريع كبرى تتنازع النفوذ في هذه الرقعة من العالم — مختلفة في الشكل، لكنها متداخلة في الجوهر:

المشروع الأمريكي -الغربي، بذراعه الإسرائيليّ العسكري وجبروته اللانساني.

المشروع الإيراني، المسكون بالتوسّع المذهبي

المشروع التركي، المحمَّل بأطياف الحنين الإمبراطوري

والمشروع العربي… مشروعٌ ممكنٌ ومشروعٌ مُرتجى، لا يزال أسير الأمنيات، غائبًا عن ميادين الفعل والتأثير

أولًا: مشهد المشاريع المتنافسة… طموحاتٌ بأقنعة متعدّدة
1. المشروع الأمريكي -الغربي

يعيد هذا المشروع إنتاج الهيمنة بلغة العصر، جامعًا بين القوّة الناعمة والبطش العسكري، وبين النفوذ المؤسسي والرواية الإعلامية. ويشكّل الحليف الإسرائيلي نقطة ارتكاز دائمة لاستراتيجياته الإقليمية. تحت رايات "الحرية" و"الديمقراطية"، يُصدّر الفوضى، ويُعيد تعريف الخراب باعتباره "تحوّلًا خلاقًا".

2. المشروع الإيراني

يقوده خطاب دينيّ يرفع شعار المقاومة ويمارس الهيمنة، يعيد رسم الجغرافيا العربية من خلال الهلال الشيعي، وعبر ميليشيات عابرة للحدود وتغلغلٍ أيديولوجيّ، يسعى إلى فرض نموذج "ولاية الفقيه"، محاصرًا التعدّدية، ومقوّضًا للهويات الوطنية.

3. المشروع التركي

هو العثمانية المعاصرة في عباءة الحداثة، يتنقّل بين الشرق والغرب بخفّة دبلوماسية وثقل عسكريّ عند الحاجة. يوظّف الثقافة والاقتصاد والتدخلات المحدودة لترجمة الحنين الإمبراطوري إلى سياسات نفوذ مرنة وشبه دائمة.

4. المشروع العربي

هو المشروع الغائب الحاضر — الأحق تاريخيًّا، والأجدر أخلاقيًّا وجغرافيًّا، لكنه مُمَزَّقٌ بالخلافات، مشلولٌ بالمصالح الآنية، وعاجزٌ عن بلورة رؤية موحّدة. يمارس دور التبعية ويوفّر الدعم اللوجستي لباقي المشاريع في تقاسم تبعي مشوّه.

ومع ذلك، يكمن في صميمه مَكْمَنُ الأمل: لغة واحدة، وثقافة مشتركة، وموارد بشرية وطبيعية هائلة، وتجارب جزئية يُمكن البناء عليها — كالتجربة الأردنية المصرية السعودية في الربط الكهربائي، والمبادرات العربية في الدبلوماسية الثقافية والتعليم الرقمي.

ثانيًا: الإنسان العربي… وقودُ الصراع وصمتُ العالم
في خضمّ هذا التنافس، يبقى المواطن العربيّ الضحيّة الأولى والنهائية.
مُهجَّر، مُغتصَبُ الحقّ، مُهانُ الكرامة — أُخذت أرضه، وبيعت أحلامه، وتبُدّدت تطلعاته.
تنهار الدول تحت وهم الإصلاح، وتنقسم المجتمعات باسم التعدّدية، وتتآكل الحقوق الأساسية — في التعليم، والصحة، والسكن، والعمل — بين مطرقة الفشل الداخلي وسندان الاستغلال الخارجي.

أما المؤسسات الدولية؟ فعلى أحسن تقدير عاجزة، وعلى أسوأ تقدير متواطئة.
العدالة مؤجلة، والكرامة منتهكة، والمساءلة وهمٌ لا وجود له.

وفي غياب مشروع عربيّ، لم يعد العربيّ صانع مصير، بل متلقٍ للأزمات — يتقاذفه اللاعبون، بدون سيادة، ولا حماية وطنية، ولا بوصلة جامعة.

ثالثًا: جامعة الدول العربية… من الرمزية إلى الفاعلية
تأسست الجامعة قبل الأمم المتحدة، لكنها لا تزال أسيرة الشكل، تتردّد بياناتها كأصداء بلا أثر، وتغيب حين الحاجة، أو تحضر بصوتٍ خافت لا يُجدي.
تحوّلت من منبرٍ للتنسيق العربي إلى ملاذٍ للإيماءات الرمزية.

ولإعادة بعث الروح في هذا الكيان، لا بدّ من تحويله إلى محرّك تعاون حقيقي.

الخطوات الأولية المقترحة:

بناء إطار عربي موحَّد للأمن الجماعي
تأسيس مجلس عربيّ للعلوم والابتكار
إطلاق مبادرة إقليمية للتحوّل الرقمي
دعم مشاريع تنمية عابرة للحدود تُبنى على المصالح المشتركة، لا على التوازنات السياسية الظرفية
إنشاء هيئة عربية مستقلة للتكامل الاستراتيجي، تتألّف من خبراء غير حكوميين، وتُناط بها مهمّة وضع خارطة طريق لاقتصاد عربي موحَّد خلال عشر سنوات
رابعًا: المشروع العربي… من الحُلم إلى البناء
المشروع العربيّ لم يعد ترفًا — بل ضرورة وجودية.
ليس رجوعًا نوستالجيًّا إلى أمجاد الماضي، بل قفزة نحو مستقبلٍ مشترك، أساسه العدالة والعقل والاستدامة.

ينبغي أن يكون هذا المشروع حضاريًّا في طموحه، وتنمويًّا في بنيته، وإنسانيًّا في غايته، يستند إلى:

-البحث العلمي والاستقلال التكنولوجي
-اقتصادات منتجة ومُنوَّعة تعتمد على الصناعات المحلية
-طاقة متجدّدة وصمود مناخي

-قدرات دفاعية متقدمة مدفوعة بالابتكار والذكاء الصناعي
ولتحقيق ذلك:

-يجب رفع الإنفاق على البحث العلمي إلى 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي (في حين أن المعدل الحالي لا يتجاوز 0.5%)
-إنشاء سوق رقمية عربية موحَّدة
-تفعيل القوّة الناعمة العربية عبر الإعلام والتعليم والدبلوماسية الثقافية
-تطوير منصات فكرية مستقلة مثل المركز العربي للأبحاث لتقديم رؤية استراتيجية جماعية

خامسًا: من ردّ الفعل إلى المبادرة… نداءٌ للعقل العربي
لقد انتهى زمن الرثاء وانتظار الفرج من الخارج.

حان وقت الانتقال من ردّات الفعل إلى استراتيجيات الفعل، من الغضب المتناثر إلى البناء المؤسسي، من الانقسام إلى التكامل.

وهذا التحوّل يقتضي:

-إرادة سياسية صادقة
-ائتلافًا من المفكرين الأحرار ذوي الرؤية
-نهضة عربية لا تقصي أحدًا، ولا تساوم على كرامة أحد

وتُظهر الأرقام أن العرب يملكون المقدّرات:

-ناتج محلي عربي يتجاوز 3 تريليونات دولار
-تعداد سكاني يفوق 450 مليون نسمة
-احتياطي طاقة هائل

لكنّ غياب التنسيق يُضعف كل ذلك… والفرصة لم تفت بعد.

خاتمة: شرق أوسط بين التشويه والولادة من جديد
نحن اليوم أمام لحظة مفصلية في التاريخ:
إما أن نسمح للآخرين بكتابة مصيرنا على أنقاض حاضرنا،
أو ننهض لاستعادة الرواية، عبر بناء مشروع عربيّ موحَّد يعيد تموضع الإنسان العربي:

لا كضحيّة بل كصانع للتاريخ
لا كلاجئ بل كمواطن
لا كمتسوّل على أبواب القوى العالمية، بل كشريكٍ أصيل في مستقبل الإنسانية
نعم، لقد تأخّر ميلاد المشروع العربي،
لكنّه ما يزال ممكنًا...
إن توفّرت الجرأة، واشتعلت الرؤية، واستُنهِضت الإرادة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :