الحوادث النووية - ديمونه نموذجاً
أ.د خليفة ابوسليم
23-06-2025 01:32 PM
نقطة البداية في هذه العجالة هي النظر في مستوى الحادث والمواد الداخلة في الحادث. فعلى صعيد التصنيف والمقياس: فيعتمد النظام الدولي للحوادث النووية والإشعاعية مقياسا مكونا من سبع درجات. فالحوادث النووية المتضمنة لتناثر وانتشار مادة نووية او اشعاعية الى خارج المنشأة تتدرج من الدرجة الرابعة الى الدرجة السابعة حسب الحدود الجغرافية والإشعاعية. فالحادث النووي من الدرجة الرابعة الى السابعة يتضمن تأثيرات تتعدى حدود المنشأة الى المناطق المجاورة.
هذا المستوى من الحوادث يتضمن تأثيرات مثل حروق اشعاعية، و احتمالات ضئيلة للوفاة في المناطق المجاورة للمنشأة. اما الدرجة الخامسة فتوجب اخلاء المناطق المجاورة حيث ان الحادث يتضمن تلوث محدود للمناطق المنكوبة وهناك احتمال لحدوث الوفيات في تلك المناطق.
بينما تعني الدرجة السادسة من الحوادث تلوثا واسعا يوجب الإخلاء واتخاذ اجراءات طوارئ مناسبة. اما الحوادث مثل حادث تشرنوبل (1986) وحادث فوكوشيما (2011) الحديثين فتصنف على الدرجة السابعة من المقياس. على انه يمكن اعتبار الحوادث من الدرجة الخامسة فأكثر من الحوادث العابرة للحدود، وتحتاج الى تظافر جهود دولية للتغلب على آثارها.
ينتج من الحادث النووي انطلاق بعض النظائر المشعة ذات الأثر السيء مثل نظير اليود-131 بعمر نصف ثمانية ايام (عمر قصير) والذي يطلق اشعاعات جاما ذات الأثر المباشر على الإنسان والبيئة من الأعراض البسيطة الى احتمال الوفاة .كذلك يمكن حدوث تأثيرات متأخرة مثل السرطانات وتأثيرات على البيئة المحيطة من مواد وحيوان ونبات.
لابد من الإشارة الى ان المقصود بعمر النصف هو الزمن اللازم لاختفاء نصف كمية المادة المشعة. ينتج ايضا من الحادث النووي انطلاق نظير السيزيوم- بعمر نصف حوالي ثلاثين سنة (طويل العمر) هذا النظير. يطلق اشعة جاما اضافة الى جسيمات بيتا التي ان لامست الجسم او دخلته بواسطة الإستنشاق او البلع او الجروح فإنها تحدث اثرا مدمرا في الخلايا والأعضاء المتأثرة. ايضا ينطلق من الحادث نظير السترونشيوم- 90 (عمر نصف حوالي 29 سنة) ونظير الإيتريوم-90 (عمر النصف حوالي 64 ساعة).
نظيرا السترونشيوم والإيتيريوم يعتبران من باعثات جسيمات بيتا ذات الأثر في سرطان العظام وسرطان الدم وتدميرالنخاع الشوكي. جميع هذه النظائر باعثات اشعاع نووي قد يكون له آثار مباشرة او آجلة إمَا على المستوى البيئي او المستوى الشخصي المباشر او الوراثي. اما الأثر البيئي (تلوث الماء والتربة) فيبقى لمئات السنين (حسب العمر الإشعاعي) ويكون له أثر في السلسلة الغذائية وخاصة للأطفال. لابد من الإشارة الى ان نظير البلوتونيوم-239 (عمر نصف حوالي 24000 سنة) ذي السمية العالية والأثر في سرطان الرئة، حاضر في كل منشأة نووية.
ان مفاعل ديمونا وكما هو معلوم للجميع قد بدأ في العام 1961 بمساعدة كبيرة جدا من فرنسا، ومن النرويج التي كانت قد زودت اسرائيل بعشرين طنا من الماء الثقيل عام 1959. وبذلك فإن المفاعل قد أُنشئ بهدف انتاج نظير البلوتونيوم-239 الشديد الخطورة والمستخدم في صناعة الأسلحة النووية. فمن المعتقد ان ديمونه تستطيع انتاج 9-10 كيلوغرام من البلوتونيوم-239 سنويا وذلك منذ منتصف ستينات القرن الماضي. هذه الكمية من البلوتونيوم-239 كافية لإنتاج 2-3 رؤوس حربية بالتقنيات الحديثة (اعتمادا على عدة عوامل).
بذلك فإن جميع النظائر المشعة المؤثرة في الإنسان والبيئة يمكن ان تنتشر من حادث يمكن ان يقع في المفاعل. لابد من الأخذ بعين الإعتبار الخطر الآخر المتمثل بوجود الماء الثقيل الذي يمكن ان يتحول منه نظير الديتيريوم الى التريتيوم المشع الباعث لجسيمات بيتا (عمر النصف حوالي 12.3 سنه). وبذلك، فإن الحادث النووي، من الدرجة الرابعة فأكثر حسب التقسيم السابق، والذي يمكن ان يحدث في هذا المفاعل قد ينطوي على نتائج عابرة للحدود، حيث تعتمد درجة الحادث على عدة عوامل منها نوع الأسلحة المستخدمة وقوتها، والظروف الجوية السائدة.
فلابد والحالة هذه ان تتأثر الدول المحيطة مثل الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان خلال ساعات الى ايام من وقت الهجوم، بينما دول مثل مصر والسعودية يمكن ان تتأثر خلال اسابيع، ولن تتوقف الآثار على تلك الدول. خلاصة القول فإن مهاجمة هذا المفاعل يمكن ان يعتبر عملا عدائيا موجها لتلك الدول، ويمكن ان يشكًل تهديدا اقليميا ودوليا، اذ قد يطلق سحابة اشعاعية عابرة مما يتطلب تدخلا دوليا عاجلا.