facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجمهوريون والرخصة لبدء حروبهم


مصطفى القرنة
25-06-2025 04:54 PM

في السياسة الأميركية، كثيرًا ما تلتقي العقيدة الدينية بالتوجهات الأيديولوجية، لكن هذه العلاقة تتخذ طابعًا خاصًا داخل بعض أجنحة الحزب الجمهوري، حيث تتحوّل المعتقدات الدينية إلى أداة تبرير لسياسات الحرب والتدخل العسكري في الخارج. هذا التلاقي بين اللاهوت والسياسة يظهر بجلاء حين يُقدَّم العنف باعتباره "مُبررًا إلهيًا"، أو يُمنح بُعدًا أخلاقيًا فوقيًا، كما لو أن الحرب ليست فقط ضرورة سياسية، بل واجب ديني مقدّس.

منذ حقبة الرئيس جورج بوش الابن، تجلى هذا الخطاب بشكل واضح، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر. أعلن بوش آنذاك أن "الرب طلب منه أن يحارب الإرهاب"، وبدأ حروبًا في أفغانستان والعراق تحت راية الدفاع عن "الخير" في مواجهة "الشر". لم تكن هذه مجرد لغة رمزية، بل كانت أداة سياسية لربط المصالح الجيوسياسية بالعقيدة المسيحية الإنجيلية التي تؤمن بـ"الرسالة الإلهية لأميركا" في قيادة العالم.

يشكل "اليمين المسيحي" القاعدة الصلبة لهذه النزعة، حيث يرى العديد من أعضائه أن الولايات المتحدة ليست فقط دولة، بل مشروع إلهي. هذه النظرة تخلق شعورًا بالاستثناء والتفوق الأخلاقي، مما يجعل التدخل في شؤون الدول الأخرى يبدو، من منظورهم، نوعًا من "التكليف الرباني". لا عجب إذًا أن ترى سياسيين جمهوريين، خاصة في حملاتهم الانتخابية، يستخدمون لغة دينية لتبرير دعمهم لإسرائيل، أو لشن هجوم على خصوم مثل إيران، أو حتى في الترويج لحرب ثقافية داخلية .

في عام ٢٠٢٠، بلغ التوتر بين الولايات المتحدة وإيران ذروته عندما أمر الرئيس دونالد ترامب باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية قرب مطار بغداد. لم يكن هذا القرار مجرّد خطوة استراتيجية، بل أرفقه ترامب بخطاب مشحون بالرمزية الدينية والقدرية، حيث قال في أكثر من مناسبة إنه "أُنقذ العالم من شر عظيم"، وكأن يدًا إلهية دفعته لاتخاذ القرار. وفي تجمع انتخابي بولاية أوهايو، صرّح قائلاً: "لقد أنقذت حياة الكثيرين حين قررت ما قررته... لقد شعرت أن نداءً ما أتى من السماء." وعاد الأمر وتكرر في ٢٠٢٥ عندما هاجمها قبل أيام.

هذا الخطاب ليس معزولًا، بل يأتي ضمن نمط متكرر يستخدمه بعض السياسيين الجمهوريين – وخاصة أولئك المحسوبين على التيار الشعبوي الإنجيلي – لتضخيم القرارات العسكرية وجعلها تبدو كأنها استجابة لوحي أو مسؤولية روحية. لم تكن إيران – بالنسبة لترامب – مجرد دولة معادية، بل وُصفت أحيانًا بأنها محور الشر، بلغة تعيد إلى الأذهان الخطاب الإنجيلي عن "الحرب ضد قوى الظلام".

ما فعله ترامب لم يكن فقط توظيفًا للمقدس لتبرير العنف، بل كان أيضًا محاولة لتحصين قراراته من النقد العقلاني، بوضعها ضمن سردية روحية يشارك فيها جمهوره المتدين. فقد أصبحت إيران، في هذا السرد، ليست فقط خصمًا جيوسياسيًا، بل تجسيدًا للعدو الديني – وهو ما يُحوّل السياسة الخارجية إلى طقس تطهيري، لا مجرد أداة لحماية المصالح.

البعد الأخطر في هذا الخطاب، هو حين تُرى الحروب لا كوسيلة، بل كجزء من "الخلاص الديني"، كما في بعض التأويلات الإنجيلية لنهاية العالم . وفقًا لهذا المنظور، فإن اندلاع الحروب في الشرق الأوسط مثلًا، ليس كارثة إنسانية، بل علامة على اقتراب "عودة المسيح"، وبالتالي تصبح هذه الحروب مرغوبة بل ومُعجّلة للخلاص.

تكمن خطورة هذا الخطاب في نزع الطابع السياسي العقلاني عن الحرب، وجعلها فعلًا دينيًا. عندما تتحول الحرب إلى "وصية"، يُسقط عنها البعد الإنساني، وتُهمّش تبعاتها الكارثية. يصبح من السهل تجاهل مئات الآلاف من الضحايا، أو تدمير دول بأكملها، لأن "الله أراد ذلك"، أو لأن "العدالة الإلهية" تستوجب تطهيرًا بالقوة.

إن التداخل بين الخطاب الديني والسياسة الخارجية، خاصة في صفوف الجمهوريين، يشكل تهديدًا خطيرًا لعقلانية القرار السياسي، ويُبعده عن المحاسبة والمساءلة. لا يمكن مواجهة هذه الظاهرة إلا بإعادة ترسيخ المبادئ الدستورية الأميركية في الفصل بين الدين والدولة، والعودة إلى خطاب سياسي قائم على المصالح الواقعية، والعدالة الإنسانية، وليس على أوهام "الرخصة الإلهية".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :