facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الكيد .. مرحلة من درب البدو في سيناء (صور)


عبدالرحيم العرجان
06-07-2025 10:25 AM

ثمّة معالم وأحداث لا تذكرها نشرات السياحة بالشكل الوافي، ولا تجدها موثّقة في محركات البحث على شبكة الإنترنت. بل تحتاج إلى السفر، والعيش، والتجربة، لتسمع القصص من لسان المكان، ومن أفواه من يفتحون لك باب الاستدلال وبداية الحكاية. هناك، تصبح شاهدًا عيانًا على ما فيه من جمال، وعزّة نفس، وكرم، وأصالة.

واليوم، لا نتحدث فقط عن موقع طبيعي أو أثرٍ إنساني، بل عن أبطالٍ بذلوا الغالي والنفيس لاستعادة بقعةٍ عزيزة، غير منقوصة، من وطنهم.

بعد أن أنهينا يومنا على شاطئ نبق، وانطلقنا ساعتين على متن سيارات الدفع الرباعي، مجتازين كثبانًا رملية تأبى الثبات، متغيّرة المعالم كل ليلة بفعل الرياح، طامسةً آثار العابرين ومواطئ أقدامهم؛ لا يعرف أسرار خباياها إلا أبناء البادية. هي بطبيعتها تشبه البحر، بهدوئه وعنفوانه؛ فإن اشتدّ ريح الليل ارتفع “موجه”، وعلت الكثبان. فالبحر والبادية صنوان لا يفترقان في سيناء، كما هو حال أجسادنا المصنوعة من طينٍ وماء.

اخترنا مكان التخييم في بداية وادي الكيد، مقصد مسارنا، عند حضن جبلٍ شامخ، ليكون ساترًا لخيامنا من الريح ورطوبتها، التي تشتد مع ساعات الليل الأخيرة، مراعين الابتعاد عن الأعشاب والحشائش التي قد تكون غطاءً لوكر أفعى أو سكن عقرب. اتفقنا على الانطلاق مع بزوغ الفجر، بعد توضيب الخيام وتسليمها لناقليها إلى نقطة الالتقاء في نهاية المسار.

أما العشاء، فكان صيادية كرم ضيافة من مرافقنا عيد المزينة، عندما مررنا بقريتهم في طريقنا، وتوقفنا عند نقطة تُعرف بـ “السيارة الزرقاء”؛ وهي سيارة معطلة منذ سنين قرب شجرة بطم معمّرة، ربط الأطفال بجذوعها حبال أرجوحتهم، متبارين من يحلق أعلى بفرح يلامس عنان السماء.

أرض الفيروز

وادي الكيد، وادٍ واسع المدخل، كثير التعرجات، محدود العوائق، سهل المسار. يضيق كلما تعمّقت فيه، غني بالشعاب والروافد، يشدّك بارتفاع جباله الجرانيتية المحيطة، والمتدرجة بجميع درجات اللون الأحمر والكرميدي، التي تتبدّل ألوانها بحسب شدة ضوء الشمس وحواره مع الظلال.

أما أرضيته، فهي من ذات الجرانيت، ممزوج بجلاميد بيضاء خالصة، وسمراء موشّحة بزرقة، وعروق من خام الفيروز الثمين. لهذا، سُمّيت سيناء قديمًا بـ “أرض الفيروز”. وكان للمصريين في سالف الزمان آلهة تُدعى حتحور، سيدة الفيروز، تُراقب عمال المناجم في سيناء. وما يُعرف اليوم بالفيروز السيناوي، كان ذا قيمة عظيمة.

كذلك البابليون، إذ اشتُق اسم “سيناء” عندهم من الإله “سين” إله القمر، بينما يرى آخرون أن الكلمة تعني “الحجر”، لكثرة الجبال فيها. وعلى اختلاف الآراء، تبقى التسميات متشابهة في مدلولها.

ويمثّل الوادي جزءًا رئيسيًا من طريق محمل الحج المصري، والطريق التجاري العربي النبطي، الذي سلكه أنبياء الله: موسى، وهارون، وإبراهيم – عليهم السلام. وأما سبب تسميته بـ “الكيد”، فيُعزى إلى مدى تحصين مسلكه في بطن الوادي، والمراقب بدقة من أعالي الجبال، التي يصعب تسلقها، بينما تنكشف الطرق أمام من يتمركز على قممها. فالكيد هنا هو الدهاء والمكر.

يبدأ مسار الوادي من شرق الطور وجبل موسى – وهو ذاته المذكور في سورة التين: “والتين والزيتون وطور سينين” – لينتهي سيله الموسمي عند “خشم الكلب” بين شرم الشيخ ودهب، شماليّ ميناء نبق على خليج العقبة.

شجرة في قلب الصخرة

يلفت انتباهك كيف تعلّق النخيل في شقوق الجبال العالية، ليصبح مأوى آمنًا للجوارح، وكيف نبت البطم بجنبات الوادي، ومنه شجرة فريدة نبتت في جوف كتلة جرانيتية، فشقّت ساقها صلابة الصخر إلى نصفين، مباعدة بينهما بإصرارها على الحياة. تستحق هذه الشجرة أن تُحاط بسياج لحمايتها من عبث الزائرين، فالأذى غالبًا لا يصدر من أبناء المكان، بل من الغرباء.

ويُعد الوادي أيضًا من أودية رعي الإبل، كما حدثنا دليلنا “هاني الخليلي” أثناء استراحتنا لشرب شاي الحبق، الذي قطف أوراقه من بين رطوبة صخرٍ قريب. وقد أثار فضولنا تصرف مرافقنا البدوي “عيد”، حين أشعل النيران في تجمعات الشوك الكثيفة التي تعترض الممرات، وعلّل فعله بأنها طريقة لحصر مسير الإبل، ومنعها من التوغل بعيدًا. وبهذا، تجلّى تكافل المجتمع البدوي في حماية مقدّرات بعضهم بعضًا، والرحمة بالحيوان، حتى لو لم تكن له ناقة ولا جمل في المكان.

عرين الأسود

في هذا الوادي، صوّر المخرج شريف عرفة عام 2019 مشاهد من فيلم الممر الشهير، الذي يحكي قصة سيناء وأبطال التحرير، وكل من قدّم الغالي والنفيس لتعود الأرض حرّة أبية. بطولة: أحمد عز، إياد نصار، أحمد فلوكس، محمد فراج، وأحمد عرفة، مجسّدين أدوارًا مستوحاة من وقائع حقيقية عاشها اللواء محيي نوح، مجسدة في شخصية المقدّم نور، والذي أشرف بذاكرته الحيّة على الأحداث والمكان.

اللواء محيي نوح كان أحد أبطال قوات الصاعقة، ضمن مجموعة 39 قتال، التي خاضت معارك شرسة في مواجهة العدو المحتل، مع رفاقه في السلاح.

كما جسّد الفيلم شخصية البطل الصنديد عودة حسين السلامين، المعروف بـ أبو منونة (1941 – 2021)، من عشيرة السواركة. وهو من أبناء العريش، نال وسام نجمة سيناء، ونوط الامتياز من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات، لما قدمه من بطولات ضمن خلايا المقاومة والعمل الفدائي المصري.

كان مكلّفًا بمهام استطلاع وجمع معلومات، أهّلته معرفته الدقيقة بتفاصيل المكان، وقدرته الجسدية على السير في ظروف صحراوية قاسية. ومن المهام الدقيقة التي نفّذها: تعويم الإبل، وهي طريقة لنقل المعدات والسلاح عبر الإبل لتجنب رصد العدو.

في لحظات، يخال لك أنك تسمع أصوات الجنود، وصيحاتهم المختلطة بتكبيرات الحجيج العابرين، تتردد في ذاكرة المكان، متداخلة مع رغاء الإبل من حولنا.

مسك الختام

خلال رحلتنا في سيناء، قاطعينها من نويبع إلى خليج السويس، أدركنا مدى أهمية هذه الأرض، وغناها الطبيعي، وارتباطها بسير الأنبياء والمرسلين، والآلهة القديمة، وآثار الحضارات الغابرة. موقعها الاستراتيجي، الممتد بين قارتي آسيا وأفريقيا، وجمالها الفطري البكر، يجعلها بحق تستحق أن يُستبسل الرجال لأجلها.

رحلة تستحق العناء، ومسير يُختم بالشغف. ووعدنا لأنفسنا أن نعود قريبًا، لنكمل مسار العائلة المقدسة في شمال سيناء، ونتمّ كتابنا عنها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :