أوزبكستان .. رحلة التحول الاقتصادي من الاستقلال إلى الازدهار المستدام
08-07-2025 01:25 AM
عمون -عبدالحميد الكبي- من قلب آسيا الوسطى، تنهض أوزبكستان كقوة اقتصادية طموحة، حيث تحولت من دولة ناشئة بعد استقلالها عام 1991 إلى نموذج عالمي للتنمية المستدامة والازدهار. بفضل سياسات اقتصادية جريئة ورؤية طموحة، استطاعت أوزبكستان أن ترسم مسارًا متميزًا يجمع بين الاكتفاء الذاتي، الابتكار، والانفتاح على العالم. من تطوير البنية التحتية الحديثة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتبني التحول الرقمي، تقدم أوزبكستان قصة نجاح ملهمة تجمع بين الإرث التاريخي العريق والطموح المستقبلي لتصبح مركزًا إقليميًا للنمو الاقتصادي والتكنولوجيا.
عندما نالت أوزبكستان استقلالها عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، واجهت تحديات اقتصادية هائلة نتيجة الاعتماد على النموذج السوفيتي المركزي. ركزت السياسات الاقتصادية في تلك الفترة على تحقيق الاستقرار والاكتفاء الذاتي، مع التركيز على القطن كمحصول استراتيجي، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والذهب. تضمنت الإصلاحات المبكرة تحسين الإنتاج الزراعي، تطوير الصناعات الثقيلة، وإنشاء بنية تحتية أساسية لدعم الاقتصاد الوطني. بحلول عام 2003، أصبحت العملة الوطنية (السوم) قابلة للتحويل، مما مهد الطريق لاندماج تدريجي في الاقتصاد العالمي. على الرغم من التقدم، ظلت الإصلاحات محدودة بسبب تدخل الدولة في القطاعات الاقتصادية والقيود على التجارة الخارجية، مما أبقى البلاد في عزلة نسبية خلال العقود الأولى من الاستقلال.
مع تولي الرئيس شوكت ميرضيائيف السلطة عام 2016، شهدت أوزبكستان نقلة نوعية نحو الانفتاح الاقتصادي والإصلاحات الشاملة. حيث تبنى الرئيس ميرضياييف رؤية طموحة تهدف إلى تحويل أوزبكستان إلى اقتصاد سوق حديث وتنافسي، مما جعلها وجهة استثمارية جاذبة.
وشهدت أوزبكستان تحت قيادة الرئيس ميرضياييف تطورًا ملحوظًا في البنية التحتية، حيث تم إنشاء شبكة طرق حديثة، تحديث السكك الحديدية، وتطوير مرافق الطاقة. استثمرت البلاد في مشاريع الطاقة الملتجددة، حيث تم تشغيل محطات طاقة شمسية وطاقة رياح بقدرة إجمالية 9.6 جيجاوات خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعكس التزامها بالاستدامة البيئية. كما ركزت على الابتكار من خلال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تساهم بنسبة 53.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز التحول الرقمي في القطاعات الحكومية والخاصة لتحسين الكفاءة وتسهيل الأعمال.
كذلك نجحت أوزبكستان في جذب استثمارات أجنبية بقيمة 20 مليار دولار في قطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة، بفضل سياسات الرئيس ميرضياييف المشجعة على الانفتاح.
كما أطلقت مبادرات للتحول الرقمي، تشمل رقمنة الخدمات الحكومية، تطوير البنية التحتية الرقمية، ودعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. هذه الجهود عززت مكانة أوزبكستان كوجهة استثمارية جاذبة، مدعومة بعضويتها في مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي، البنك الأوروبي للتعمير والتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية.
ويُعد منتدى طشقند الدولي للاستثمار الذي يُعقد سنويًا في العاصمة طشقند، منصة رئيسية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الشراكات الدولية. في دورته الرابعة (10-12 يونيو 2025) لمناقشة فرص الاستثمار في أوزبكستان. ركز المنتدى على نموذج التنمية "الأخضر"، الذي يجمع بين الاستدامة البيئية والنمو الاقتصادي، مع التركيز على الطاقة المتجددة والابتكار.
حيث ساهم تنويع مصادر الدخل في تعزيز الاقتصاد الأوزبكي، حيث تُعد البلاد منتجًا رئيسيًا للقطن والذهب، مع نمو ملحوظ في قطاعات الصناعة، السياحة، والتكنولوجيا. هذا التنوع، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية، جعل أوزبكستان اقتصادًا قويًا ومستدامًا.
أطلقت أوزبكستان برنامج لتأشيرة الذهبيةلجذب المستثمرين الأجانب، حيث تتيح إقامة طويلة الأمد للأفراد الذين يستثمرون مبالغ كبيرة في الاقتصاد الأوزبكي، خاصة في قطاعات الطاقة، التكنولوجيا، والعقارات. يهدف البرنامج إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر وتسهيل إقامة المستثمرين، مما يعزز من جاذبية البلاد كوجهة استثمارية.
وتسعى أوزبكستان إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لتعزيز اندماجها في الاقتصاد العالمي. رغم التقدم في الإصلاحات، لا تزال تواجه تحديات مثل إعادة هيكلة الشركات الحكومية وتحسين الشفافية. ومع ذلك، فإن الجهود المستمرة لتحرير التجارة وتسهيل الأعمال تجعل الانضمام هدفًا قريب المنال، مما سيعزز مكانة أوزبكستان في الأسواق الدولية.
لذلك تتطلع أوزبكستان إلى مستقبل اقتصادي مشرق يعتمد على التكنولوجيا، الاستدامة، والتنمية البشرية. من خلال استثماراتها في الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، وتطوير البنية التحتية، تسعى البلاد لتصبح مركزًا إقليميًا للابتكار والاستثمار. رؤية الرئيس ميرضياييف تركز على تعزيز التنافسية الاقتصادية، تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، ودعم الشركات الناشئة والتكنولوجيا المتقدمة، مما يضمن استمرار التقدم والازدهار في المستقبل.
تقدم أوزبكستان نموذجًا ملهمًا للتحول الاقتصادي، حيث نجحت في الجمع بين الاستقلال الاقتصادي الحذر في بداياتها والانفتاح الطموح تحت قيادة الرئيس ميرضياييف. من خلال تنويع الاقتصاد، تطوير البنية التحتية، وتبني الابتكار والاستدامة، أصبحت أوزبكستان واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في المنطقة، مع آفاق واعدة لتصبح مركزًا عالميًا للاستثمار والتكنولوجيا في المستقبل القريب.