اللامركزية بين الاجتزاء والتغوّل
مصطفى توفيق ابورمان
09-07-2025 11:16 AM
في خطوة وُصفت بـ(الإصلاحية) قرر وزير الإدارة المحلية وليد المصري حل المجالس البلدية واللامركزية قبل انتهاء مدتها القانونية.
وبرر ذلك بأن الهدف هو التوفير على خزينة الدولة، وكأن الخلل يكمن في وجود المجالس لا في طريقة إدارتها أو في آليات الرقابة عليها.
لكن، إن كان معالي الوزير حريصاً على المال العام، فليبدأ بتفحص قوائم الفئة الثالثة، تلك التي فُتحت في غفلة من الزمن، وتم عبرها تعيين المئات ،وربما الآلاف ،ممن لا يعرفون مواقع عملهم، وبعضهم ما زال على مقاعد الدراسة، وآخرون يقيمون خارج البلاد.
في ذات الوقت، يقف على أبواب الدوائر آلاف الشباب المؤهلين من حملة الشهادات الجامعية والدبلوم، باحثين عن فرصة، حتى وإن كانت على الفئة الثالثة.
فأين هي أولويات العدالة والتكافؤ والتخطيط الرشيد؟
ثم ما حال أمانة عمان الكبرى؟
ذلك الصرح الذي كان يُعوّل عليه في الإدارة والخدمة والتنظيم، بات أداؤه اليوم أصغر من مجلس قروي في أقصى الأطراف.
من يحمل مسؤولية التراجع؟
ومن يملك الجرأة لتقييم الأداء بعيدًا عن المظاهر والإعلام الرسمي؟
قرار الوزير بحل المجالس لا يستند إلى أي نص دستوري، بل جاء في سياق تغوّل واضح للسلطة التنفيذية على سائر السلطات.
فأين مجلس النواب؟
وأين الأحزاب؟
بل أين مبدأ الفصل بين السلطات الذي نص عليه الدستور؟
لقد قلتها بوضوح في جريدة “الرأي” الأردنية بتاريخ 21 حزيران 2004، في مقال بعنوان:
“اللامركزية الإدارية… هل نملك لها أدوات التنفيذ؟”
وقلت حينها إن اللامركزية لن تنجح في الأردن إلا إذا تم تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم (شمالي، وسطي، وجنوبي)،
ويُمنح كل إقليم استقلالاً ادارياً وماليًا حقيقيًا، يُمكّنه من اتخاذ القرار والإنفاق وتحمّل المسؤولية.
فالوزارة كانت بالأصل تابعة لوزارة الداخلية، وكان أعضاء المجالس البلدية يتمتعون بصفة الحكم المحلي، لا موظفي تنفيذ لقرارات مركزية.
إن العودة إلى دستور 1952، بكل ما يحمله من توازن وعدالة ومبدأ واضح للحكم المحلي،
هو الطريق الأمثل لإصلاح حقيقي لا تجميلي.
فاللامركزية ليست لافتة نرفعها متى شئنا، ونطويها متى ضاقت الساحات،
بل هي فلسفة حكم، وقاعدة عدالة، وأداة تمكين للمجتمعات، لا وسيلة لتقليص النفقات كما يروجون.
ما نحتاجه اليوم ليس حل المجالس، بل إعادة تعريف العلاقة بين المركز والأطراف،
تحديد الصلاحيات، توزيع الموارد بعدالة، تمكين المحافظات لا تهميشها،
وتحويل البلديات إلى بيوت خدمة حقيقية، لا واجهات سياسية أو إرث بيروقراطي عقيم.