منظومة تحديث تعيد إلى بعض المواقع الرسمية والشعبية اعتبارها
أحمد عبدالفتاح أبو هزيم
17-07-2025 03:46 PM
المواطن الأردني رغم الوجع.. يكاد يتميز عن غيره في انتمائه الفطري لبلده، ودائمًا ما يبقى في دائرة حُسن الظن.. "وإن كان غير مقتنع" بكافة الإجراءات "الأُحادية" التي اتخذتها الحكومات السابقة والحالية، تحت عناوين مختلفة.. مصدر عدم الثقة يعود إلى ما واجهه من "إحباط" جراء سياسات الجباية المستمرة، بالإضافة لما أصابه من لهيب نار إدارة الفشل لبعض المسؤولين تحت عنوان القادم أجمل.
أما مسألة قبول المواطن بواقع صعب التحمل أو السكوت القسري، فيعود إلى ثُلاثية الحكمة التي يتمتع بها الشعب الأردني بدءًا من الْوَلَاء والانْتِماء، والإيمان بالقضاء والقدر، وتجنب ما هو أبلغ للمحافظة على نعمة الأمن والأمان التي افتقدها الغير من عالمنا العربي.
وفي مجمل الأحوال، ضاع من عمر الوطن سنوات وسنوات سعت فيه كثير من الدول إلى دخول عصر جديد من الرفاهية وجودة الحياة، بعدما اسْتَكملت بنجاح كل متطلبات الانضمام إلى نادي دول العالم المتقدم التي تتنافس على من يتَبَوَّأ المراكز الأولى أو حتى الوسط في كافة المجالات، وترك باقي المواقع "الخلفية" للدول الجالسةِ على قارعةِ طريق البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمات الـ NGOs.
تساؤل مشروع:
ما الذي يمنعنا في الأردن من أن نشتبك من المسافةِ صفر مع كل عوامل النجاح المتاحة لدينا، والتي قد لا تتوافر في دول سبقناها في الماضي على قائمة التصنيفات العالمية، وربما سبقناها أيضًا في الاستقلال والانْضِمام إلى المؤسسات الدولية، وها هي اليوم دول يُشار لها بالبنان تتقدم علينا في التكنولوجيا والاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من المجالات المختلفة التي "صرفنا" عليها الكثير من الوقت والمؤتمرات والمحاضرات والندوات والأموال تحت بند برنامج "تحول" ومنظومات تحديث، وتم تسليم هذه الملفات إلى أشخاص طارئين تسللوا من الخلف إلى مواقع صنع القرار، بالكاد يعرف بعضهم إدارة شؤون حياته اليومية!
ولكن بالكذب.. والنفاق.. والتملق.. وسيطرتهم أو قربهم من بعض وسائل الإعلام استطاعوا إيهام الجميع بأن الأردن على الصعيد التنموي سيكون دولة ريادية في المنطقة والعالم!!! والنتيجة في بطون الكتب وعلى محركات البحث لمن يرغب معرفة أين أوصل هؤلاء المسؤولين البلد، مع أننا نمتلك الكثير مما لا يمتلكه الغير، وليس أدل على ذلك من أن الأردن لما له من أهمية جيوسياسية واقتصادية شهد الكثير من الحضارات والأمم على مر التاريخ عندما كانت دول متقدمة في عالمنا اليوم غير موجودة على خارطة العالم في ذلك الحين.
بعد عقود من الزمن:
في عصرنا الحديث، ورغم وجود الأردن في صُلب أكثر قضية عادلة في التاريخ "القضية الفلسطينية"، يبقى الأردن مٌستهدفًا من أشرس عدو عرفته البشرية مسنودًا من دول عظمى. ورغم "دفع" الأردن قيادة وشعبًا ثمنًا باهظًا لقاء مواقفه المبدئية، إلا أن الدولة الأردنية بكافة هياكلها ما زالت صامدة بجهود مؤسسات بعينها تسهر على أمنه واستقراره.
ولكن هل الصمود والوجود يكفي؟ وهل نبقى في كل "إخفاق" نندب الظروف الدولية المحيطة، وسمفونية "الكذب" تعزف لحنها "المقيت" بأن الأردن فقير بموارده الطبيعية؟
سؤال برسم الإجابة:
قد يتساءل البعض من محبي الأردن، من الغيورين على ترابه الوطني حتى أخمص قدميه، بعيدًا عن "الوصوليين والمنافقين ومرتادي عتبات" مسؤولي الفساد والإفساد، عن مَغْزَى هذه المقدمة، ولِمَ لا يكون الدخول في صُلب الموضوع والبث المباشر من موقع الحدث حتى تكون الأمور أكثر وضوحًا؟
دعوة لفهم بعض الحقائق:
عندما تفككت منظومة القيم التي بناها الرواد الأوائل من رجال الدولة، وحل مكانهم موظفون بنفس الرتب والألقاب، اكتشفنا أن "القادم الأجمل!"، تلك الجملة الشهيرة التي أصبحت ترند لأحد رؤساء الوزارات السابقين، ما هي إلا فخ نصبه بعض من تولى المسؤولية لاحقًا بدون مؤهلات أو رؤية إصلاحية أو إدارية، حتى يسْتَنْزف الوطن ويُبقي جُرحًا دامياً في خاصرته، ويَستهلك رصيدًا ثمينًا من إمكانياته البشرية والمالية، ويتربع على كرسي المسؤولية حتى خريف العمر دون إنجازات تُكتب في سفر التاريخ.
نعم.. كل يوم نفيقُ على أزمةٍ ربما تكون مفتعلة أو قرار ارتجالي لمصالح شخصية أو بالاتفاق مع الغير تحت شماعة منظومات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، "دُون أَنْ يَرِفَّ جَفْنُ عَيْنِ" لذلك المسؤول الذي تقدم من الخطوط الخلفية إلى مواقع صنع القرار في مؤسسة ما، أو ربما حصل على موقعه نتيجة شهادة مزورة، أو بسبب ممارسته النفاق "المنظم"، أو أتاه.. هاتف غامض اسْتَباح حُرْمَة الليل، أو ردٌّ "لكرم حاتمي مزيف!" مصلحة على "سِدْرْ منسف"، من يدري؟ ربما أُسْلُوب جديد في الغش والخداع اسْتَعَارَهُ ذلك المسؤول الفاسد من محركات البحث.
المحافظة على وجودهم واستمرار نهجهم:
تبدأ سلاسل توريد الفشل عبر انتقال شلل الفساد والإفساد من موقع إلى موقع، ويستمر تدويرهم أو إعادة تدويرهم بما يضمن ثبات وبقاء المنظومة متكاتفة استعدادًا لتوريث المواقع الوظيفية أو استحداث مناصب لأبنائهم، وتستمر المسيرة.
بدون مؤهلات:
ومما يساعد على بقاء تأثيرهم الطاغي في الحياة الرسمية والشعبية هو أدبيات المجتمع الأردني في احترامه الزائد لهذه النوعيات من "الفاسدين والمنافقين والفاشلين" لمجرد أنهم أصبحوا رجال مجتمع أو أصحاب مواقع رسمية أو شركات خاصة! حريصين على مشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم و"مناسفهم" وهو الأهم. ومن الغرابة بمكان أن مقياس الأداء عند المواطن الأردني إذا رغب في تقييم أي مسؤول أو أي شخص يرغب في ترشيح نفسه إلى موقع ما، يعتمد على مُشاركاته الاجتماعية، شكل ابتسامته.. ملاءته المالية..، هذه المؤهلات الشخصية كفيلة بأن يصل من خلالها أي شخص إلى موقع نائب، رئيس بلدية، أمين عام حزب، شيخ، وجيه.. وزير، عين.. إلخ.
النتيجة:
المشيخة والمسؤولية التي آلت للبعض بطرق ملتوية كلفت الأردن سنوات عزيزة من عمر أجياله، و"قضت" على آمال فقرائه الحالمين بمغادرة كريمة لمربع جيوب الفقر، وتسببت في ضياع شباب في عمر الورد قابعين على قوائم الانتظار لإقلاع آمن من ديوان البطالة، وأجهزت على طموح الشرفاء بأن يصبح الأردن دولة متقدمة بكافة المجالات مثلما هو واحة للأمن والأمان.
منظومات التحديث:
لا نحتاج إلى منظومات تحديث سياسي واقتصادي وإداري في "ظل هكذا مسؤولين"، حيث أصبحت هذه المنظومات شماعة لبعضهم في تسويق أي قرار خاطئ يتخذه حتى يبرر "فشله" في إنجاز يعيد للوطن ألقه أو يبتغي من وراء ذلك شراء الوقت حتى يمضي أكبر فترة ممكنة على كرسي المسؤولية، ويتنقل بكل نعومة ورشاقة "وبكل شفافية!!!" بين مواقع المسؤولية، متسلحًا بكم هائل من عناوين فضفاضة لقصص نجاحات "وهمية" على الورق لم نلمس لها "أثرًا بعد عين".
الخُلاصة..
كمواطنين أردنيين نعيش على حب بلدنا ونَتَنَفَّسُ هَوَاءَهُ، نحتاج إلى منظومة إصلاح واحدة تدعو إلى غربلة المواقع الرسمية والشعبية من الفاشلين والمنافقين والفاسدين، وبعدها سنجد الأردن في مقدمة الركب مُقبلاً على الإنجاز، محولاً كل مقدرات الوطن إلى قصص نجاح حقيقية لا مبادرات وهمية مبنية على التسحيج والتطبيل تستنزف كل إمكانياته وطاقاته.
حمى الله الأردن واحة أمن واستقرار، وعلى أرضه ما يستحق الحياة.