سياسة الأردن في التعاطي مع المؤسسات الدولية والتصنيفية انتقلت خلال السنوات الماضية من وضعية "المتلقي" إلى أسلوب المبادرة والاشتباك الإيجابي.
يظهر ذلك بوضوح مثلا عند معاينة تطور علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي.
فبعد أن كنا نتلقى من الصندوق وصفات جاهزة وغير مرنة لتطبيقها، أصبحنا اليوم نمتلك تأثيرا ملحوظا على توصيات الصندوق وتقييمه للأداء المالي والنقدي محليا.
وهذا يفسر إلى حد بعيد استمرار دعم الصندوق وثناءه على أدائنا الاقتصادي رغم دقة وصعوبة الظرف المالي والاقتصادي خلال الأعوام الماضية.
ذات الشيء ينطبق على علاقتنا مع وكالات التصنيف العالمية، والتي كانت محصورة سابقا بتلقي خبر رفع أو تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة عبر وسائل الإعلام.
بينما اليوم أصبحنا نستبق تقارير وقرارات التصنيف باجتماعات مطولة وإصرار كبير على تقبل وفهم التطورات الاقتصادية من المنظور الأردني.
وليس أدل على ذلك من بقاء تصنيف المملكة الاقتصادي ثابتا رغم مرور المنطقة بحرب جارفة وتوقف السياحة وتراجع نمو النشاط التجاري والاستهلاكي في البلاد.
يبدو أن عدوى المبادرة والاشتباك الاستباقي انتقلت لمؤسساتنا في مختلف القطاعات، مثل التعليم العالي والصحة، حيث بدأنا نجني الثمار على شكل ارتفاع في تصنيف المؤسسات الأردنية عالميا وإقليميا.
بالمجمل، يعتبر تحول الأردن نحو الاستباقية في التعامل مع المؤسسات الدولية والتصنيفية تطورا إيجابيا يحسب للقائمين عليه. وهو لا يمثل نهجا منعزلا، بل لحاقا بركب الدول الأخرى المتنافسة لتحسين صورتها الخارجية بشتى السبل المشروعة.
صحيح أن هناك محاذير من احتمال الانشغال بتقييمنا الخارجي على حساب أجندة الإصلاح الداخلية، مثل أن نتأخر بإصلاحات مالية غير شعبية، أو نؤجل تصحيح مسار المؤسسات التعليمية والبحثية.
ولكن مواجهة هذه المخاطر له مسار موازي "داخلي" لا يتقاطع مع النهج الاستباقي في مسائل التقييم، بل يكمله ويدعمه للحصول على نتائج أفضل.
في عالم اليوم، العلاقة بين الواقع والانطباعات متداخلة ومختلطة، يصعب فصلها، مما يجعل التركيز على الجانبين مطلوبا بالتوازي - فقط نحو الأفضل.
وبمعنى أن محاسبة التقصير في أحد المسارين لا يجب أن يكون على حساب المسار الآخر.