facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




منظومة التحديث السياسي


المهندس محمد النجداوي
26-07-2025 11:33 AM

* جمود الفكرة وخذلان التنفيذ

مرّت ثلاث سنوات على انطلاق مشروع التحديث السياسي في الأردن — المشروع الذي بُني على وعود طموحة بإعادة رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وصياغة حياة سياسية أكثر انفتاحًا وتعددًا، يكون للأحزاب فيها دور فاعل، وللشباب والنساء وذوي الإعاقة مكانة مؤثرة. غير أن هذا المشروع، الذي شُرّع ببوابة الإرادة، يجد نفسه اليوم عالقًا عند مفترق الغموض؛ لا هو مضى نحو غايته، ولا أُعلن عن انتهاء رحلته. بين المأمول والمُعطّل، تتوالد الأسئلة: هل تعثّر المشروع؟ أم أُفرغ من روحه؟ وأين بالتحديد تكمن علّته؟

لا يمكن إنكار أن البدايات حملت في طيّاتها إشارات إيجابية: تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عام 2021، وما أعقبها من تعديلات تشريعية شملت قانوني الانتخاب والأحزاب، إلى جانب تغييرات دستورية رسّخت مدنية الدولة، وأكّدت على مفاهيم الشراكة المجتمعية، خصوصًا في قضايا تمكين الشباب والنساء.

الإطار القانوني بدا آنذاك وكأنه تمهيد لانعطافة حقيقية في المسار السياسي الأردني، أو على الأقل بداية لانبعاث جديد في روح العمل الحزبي، يقوده جيل وطني يؤمن بالتعدد والتجديد، لا بالتقليد والانغلاق.

لكن المسافة بين النصوص والتطبيق كانت أشد وعورة مما توقع كثيرون. فقد تبيّن أن الحياة الحزبية، سواء بقديمها أو جديدها، ما زالت أسيرة الشخصنة، وأن الأحزاب، رغم ما قيل عن تجديدها، لا تزال عاجزة عن كسر الدائرة الضيقة التي تدور فيها: غياب للرؤية، ارتجال في التنظيم، وضعف في التأثير الشعبي.

بل إن ما هو أشد خطورة، هو التباين في التعامل الرسمي مع هذه الأحزاب. بعضها واجه تعقيدات بيروقراطية غير مبررة، فيما حظيت أخرى بمرونة مثيرة للتساؤل رغم هشاشتها الميدانية. مثل هذا التفاوت لا ينسف فقط قاعدة العدالة، بل يخلق شعورًا عميقًا بأن المشروع برمّته ليس على مسافة واحدة من الجميع.

ليست المشكلة في القوانين فقط، بل في البيئة العامة التي تحتضنها. فما تزال الأجهزة التنفيذية تُدار بعقلية الحذر، ويُنظر إلى العمل الحزبي بوصفه تهديدًا لا فرصة، ويُدار المجال العام بميزان الشك لا بحكمة الثقة. وهذا يعكس خللاً في الفهم قبل أن يكون في الممارسة — خللاً في تصور الدولة لمعنى المشاركة السياسية، وفي قدرتها على التمييز بين التنظيم والتهديد.

إن أزمة التحديث ليست إجرائية أو بيروقراطية فحسب، بل هي قبل كل شيء أزمة ثقة. والدولة، إن لم تعالج جذورها العميقة، فكل إصلاح سيظل شكليًا، مهددًا بالانتكاس في أول اختبار.

لا معنى للحديث عن بيئة حزبية سليمة دون منظومة عدالة تضمن الإنصاف للجميع، وتوفّر ملاذًا آمنًا للمظلوم، وتحسم النزاعات بعيدًا عن الضغوط والتدخلات. القضاء المستقل ليس ترفًا تنظيميًا، بل أساس متين تبنى عليه دولة القانون والمؤسسات، ويطمئن إليه المواطن حين تتعثر السبل الأخرى.

وعلى المنوال ذاته، فإن مؤسسات الدولة يجب أن تكون حَكَمًا لا خصمًا، داعمة لا متحفظة، لا تمارس دور الرقيب على العمل الحزبي، بل تحتضنه كجزء من نضج المجتمع وتحولاته.

الخلل لا يقتصر على الدولة وحدها، بل يمتد إلى المجتمع ذاته. إذ ما يزال الوعي السياسي ضعيفًا، والاهتمام بالشأن العام باهتًا، لا سيما بين جيل الشباب. المدارس لا تزرع بذور الانخراط المدني، والمناهج لا تُخرّج مواطنًا فاعلًا يدرك حقوقه وواجباته. وحتى الإعلام، حين كان يفترض أن يكون منصة للنقاش، اختار في كثير من الأحيان طريق التهكّم والسطحية، مساهِمًا — عن قصد أم لا— في تشويه صورة العمل الحزبي.

في مثل هذا المناخ، يصبح من الصعب إقناع الناس بأن السياسة ليست لعبة مصالح، بل وسيلة نبيلة لخدمة الوطن وتحقيق الخير العام.

اللحظة الراهنة تتطلب ما هو أعمق من "ترقيع" النصوص أو تغيير الشخوص. المطلوب نموذج سياسي جديد، يتأسس على خمسة مرتكزات لا غنى عنها:

•بناء حزبي مؤسسي يقوم على الديمقراطية الداخلية، والتداول الحقيقي للقيادة.
•تشريعات قابلة للحياة تُطبّق بعدالة، وتُراجع بوعي لا بارتباك.
•موسسات حيادية ومُمَكّنة لا تخاف من المسؤولية ولا تتردد أمام الاستحقاق .
•قضاء مستقل فعلاً لا قولًا، لا سلطان عليه إلا للقانون.
•ثقافة مدنية تبدأ في المدرسة وتثمر في صناديق الاقتراع.

لم يكن مشروع التحديث السياسي مجرّد شعار؛ لقد وُلد من لحظة أمل، وما يزال بإمكانه أن يفتح الباب أمام مستقبل مختلف. لكنه اليوم على المحك: إما أن يتحوّل إلى عملية جادة تعيد الاعتبار للسياسة بوصفها شراكة وطنية، أو أن يُطوى في سجل المحاولات التي بدأت ولم تكتمل.

فالسياسة، إن لم تُبنَ على الثقة، تتحوّل إلى مسرح للشكوك. والديمقراطية، إن لم تُمارَس، تتحوّل إلى حبر على ورق. والعدالة، إن لم تُنفذ، تفقد قيمتها وتُفرّغ من مضمونها.

المطلوب ليس أكثر من شجاعة، وليس أقل من وضوح. أن نكفّ عن الدوران في دوائر التأجيل، وأن نعيد للسياسة معناها، وللمواطنين ثقتهم، وللوطن فرصته في أن يتقدّم بلا خوف، وبدون ادنى قيد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :