المناضل عيسى العابد الريموني أبو الرائد: كما عرفته - حلقة (2)
صوت أردني حرّ نقي، هاشمي الهوى، أنصف المشروع الهاشمي الأول.
المشروع انطلق من مملكة الحجاز، وعَلَم فلسطين عَلَمها.
ابن جيلين، الزمن الجميل، والثوري الأكبر منه.
حروف اسمه كتبها على طريق النجاح حرفًا حرفًا.
أقرأ وإياكم سيرة ومسيرة سعادة الأستاذ عيسى العابد الريموني، الهاشمي الهوى والهوية، منصف المشروع الهاشمي الأول، الذي انطلق من الحجاز، وعلم فلسطين في الأصل علم مملكة الحجاز، وهو ابن جيلين: جيل الزمن الجميل، والجيل الثوري الأكبر منه عمرًا، الذي كتب حروف اسمه، وحفرها حرفًا حرفًا على طريق بناء المستقبل الزاهر.
ولكونه أول جيل أردني حر، فصوته حرّ، وعند استقلال الأردن، كان الآباء والأجداد يحاربون سياسة الدولة العثمانية في الوطن العربي.
وعيسى الريموني صاحب كلمة حق، ولا يقول إلا كلمة الحق. وهو هاشمي الهوى والهوية، وهو ضد انقسام حزب البعث العربي إلى حزبين، ولهذا تركه إلى غير رجعة، وبقي يحب أمته العربية ويدافع عنها.
واليوم، وفي هذه الحلقة الثانية، أُكمل كتابة رحلة مشوار القلم إلى جرش، أكتب عن تاريخ حديث، عن مسيرة رجلٍ لا ككل الرجال، عن رجلٍ علمٍ من أعلام الأردن، عبّر عمّا يريده كل مواطن في بلدته (ريمون)؛ حيث وُلِد وترعرع فيها، وهو واحد من أعمدتها التاريخية، كون تاريخها عريقًا، وهو أحد رجالها. وتبقى الأجيال الأردنية، جيلًا بعد جيل، تذكره بالخير، وتتغنى به لأن سيرته ومسيرته شاهدة على هذا التاريخ.
وتحت قبة مجلس النواب، في المجلس الحادي عشر، عبّر عن مطالبهم وتطلعاتهم وآمالهم خلال خطاباته المتكررة تحت القبة، وأحاديثه الجانبية المباشرة مع كبار المسؤولين من أصحاب القرار لتنفيذها على أرض الواقع، كان يطالب لأنه يشعر ويعيش أوجاع المواطنين جراء عدم توفر خدمات البنية التحتية.
ولماذا هو ابن جيلين؟ فهو من جيل الزمن الجميل كونه من مواليد عام 1939م، والجيل الثوري الذي أكبر منه، وما هو أجدد من عمره الآن.
ودائمًا يردد اسم أمه، رحمها الله وغفر لها، مع أول طلقة في الحرب العالمية الثانية، والثانية طلّقت أمي حليمة في ريمون، من باب النكتة.
وفي بداية شبابه، كان يحب الجلوس مع المشايخ، ويستمع لما يتحدثون به من أمور عامة وسياسية وغيرها، لكي يستفيد منهم. وقد تشبع من قصص حكايا الثوار والثورة، والوحدة العربية، وحقبة تغيير الأجيال من جيلٍ لآخر، والمتغيرات التي رافقتهم في ذاك الزمان، والتي لا زال الإنسان العربي يعيشها.
وخذلان الدول الأوروبية لمشروع الوحدة العربية. وبناءً عليه، قامت الثورة العربية الكبرى.
ولأن لديه حب الفضول بمعرفة كل شيء، فهو اليوم يسرد حكايا تلك الحقبة التي سمعها آنذاك، عن تلك الأحداث وأبطالها وصناع القرار آنذاك. فهذا الإرث موجود عند أبو الرائد.
وقد تعلم من جيل مواليد 1900 وما قبل، وكل ما كان يمر في تلك الحقبة بذلك الزمان، وقد مضى يطبق ما تعلمه منهم، وذلك من خلال مسيرته المباركة.
والأستاذ عيسى الريموني أول جيل أردني حر، منذ أن استقل الأردن، وكان الآباء والأجداد يحاربون سياسة الحكم العثماني، وقد جاء المشروع الهاشمي الذي انطلق من الحجاز، وكما أن علم فلسطين هو علم المملكة الهاشمية في الحجاز.
لقد عاصر الأستاذ عيسى أبو الرائد عهد الثوريين في الستينيات من القرن الماضي.
وتَعرّف إلى أن الأردن ليس جزيرة، فالأردن لا يُقارن بدول الخليج العربي، والأردن على مدار مئة عام، وهي المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية، ويجب علينا أن نعترف ونفتخر كأردنيين بحكم الهاشميين، ونحن نرى ما يحدث في الدول العربية المجاورة. فلولا المشروع الهاشمي، لما بقي الأردن صامدًا أمام كل المخاطر والتحديات والتقلبات السياسية في المنطقة، ولهذا فهو أقدم بلدٍ عربي حديث لم يتغير، ومستمر لأن نظامه الهاشمي نذر نفسه لخدمة الأردن وشعبه. ولهذا، فالأردنيون مخلصون وأوفياء للعرش الهاشمي، ويفدونه بالمهج والأرواح وكل ما يملكون. فنحن، والحمد لله، لم يقع عندنا ما حدث في الدول العربية المجاورة.
أبو الرائد ابن قرية (ريمون)، التي كانت تعاني من التهميش مثلها مثل القرى الأردنية. بعد غربته، عاد إلى مجتمعه الريفي الذي يحب. هذا المجتمع الذي لا يهمه الواقع السياسي، ولا من يُحارب من. وهو رجل عصامي، ومجتهد، فقد عاد إلى الأردن أواخر عام 1970م، علمًا بأنه لم ينقطع عنه.
وفي غربته عرف العالم على حقيقته، وماذا يدور فيه، فوجد قريته بأمسّ الحاجة إلى الشوارع والمدارس والكهرباء وكل متطلبات الحياة، فكل مسيرته في الأردن كانت للعمل على توفير الخدمات لهم.
ومنها واصل مراجعاته إلى المسؤولين من أجل أن تصبح جرش محافظة، تتوفر فيها كافة الخدمات، من طرق ومدارس ومرافق صحية ومياه، والحد من هجرة الشباب إلى عمّان. قاعدته الوحيدة: "السياسة متقلبة"، فلم يبحث عن المناصب السياسية.
فهو مدرسة وجامعة لمن أراد أن يتعلم كيف يكون الوفاء والإخلاص، والعمل والإنتاج، والتضحية، والصبر في هذه الحياة. وهو قامة من قامات الأردن عامة، والجرشية التاريخية خاصة، واليوم يتنقل بين مكتبه ومنزله وأملاكه الخاصة، حوله أولاده وأحفاده، يرقب الشرفاء من أبناء جلدته: هل ما زالوا صامدين على مبادئهم، وعزمهم وتصميمهم على مواصلة تضحياتهم؟
أبو الرائد كان لديه نوع من الحلم، ككل الشباب الأردني والعربي، ولذلك شتان ما بين من خلدهم التاريخ في أبهى صورة، وما بين من سيلغيه منه. وهو إنسان وطني، شخصية عظيمة ورائعة في كل جوانب الحياة، نزيه شريف، يحتفظ بالإرث الذي ورثه من آبائه وأجداده وتربى عليه. ودائمًا، في مجالسه ولقاءاته، يعتز بأهله وربعه، أهل جرش.
ويفتخر ويتباهى بالهاشميين، وعلى رأسهم الملك عبد الله الثاني، حفظه الله، فالملك عنده خط أحمر، وأسرته الهاشمية هم أصحاب التاريخ الراسخ في حكم الأردن الغالي.
ومع ذلك، يبقى الزمان الأردني، من الزمن الجميل، حكاية عشقٍ أبديٍّ، يتناقلها الأبناء والأحفاد، باقية مهما تبدلت الظروف والأحوال، يكتبونها على مسرح الحياة، تحكي حكاية رجلٍ فاضل، جَدّ واجتهد وضحّى، إنه الإنسان المتواضع (عيسى العابد الريموني أبو الرائد)، أطال الله في عمره.
فمن جرش صعد القلب النابض بالحب والحياة والأمل الجميل، والخير الوفير، والنهوض نحو العُلا. حكاية تتداولها الأجيال، لأنها كُتبت بحروفٍ في تاريخٍ مسطَّرٍ بدموع وآهات وأحلام وأمنيات وتطلعات مستقبلية وردية، يفوح عطرها في كل أرجاء الوطن.
تاريخ مكتوب على الصخر، وأشجار الزيتون، والبلوط، والسنديان، والليمون.
أبو الرائد يجذب السامعين بفصاحة كلامه، في زمانٍ فقدنا فيه فصاحة اللغة العربية، فتأسر الحضور كلماته التي تدخل القلب من دون استئذان. وعلى كل حجر، بُنيَت بداية إنشاء مدرسة، وجمعية، ونادٍ رياضي... إلخ.
إنّ كلامه المؤثر القيّم يدلّ على أنه تعلّم عند إمام مسجد، واستمع لخطبه يوم الجمعة بكل وقارٍ وهدوء. وهذا عائد لكثرة أسفاره خارج الأردن، منذ أن كان شابًا يافعًا، وهو يتنقل بين الدول العربية، من مصر، والكويت، وسوريا، والسعودية، والعودة إلى قلب الوطن العربي، النابض بالعروبة: عرين الهاشميين الأطهار (عمّان).
أبو الرائد مسيرة مباركة، وسيرة عطرة، معطرة برائحة زيت زيتون (ريمون)، وترابها، وتربيته الحسنة، وبرّه لوالديه، وطيب قلبه، وأخلاقه الرفيعة، وإنسانيته، وابتسامته الساحرة الجذابة، ونور وجهه الوضّاء، وتواضعه الجمّ، وعطاياه للتخفيف من معاناة الناس، من خلال يدَيه السخيّتين، وأن للفقراء والمحتاجين نصيبًا في أموال الأغنياء، وأن التخفيف عنهم هدف لا يحيد عنه.
وعيسى الريموني أبو الرائد اسم يردده الفقراء والمحتاجون، وهم في طريقهم متوجهين إلى مكتبه: "يا رب نجدة".
كلماته المعبّرة تدل على أنه يتمتع بكنز من الثقافة العربية والعالمية المنتقاة، تشير إلى أنك تحفر في باطن الأرض باحثًا عن الذهب. إنها كلمات موزونة، نقية، كجداول مياه جرش التي يحب.
كل هذا وذاك لأنه من زمان الناس الطيبين، كرماء النفس، الذين يخشون الإساءة للآخرين، فترتدّ الإساءة على آبائهم، جراء سوء تربيتهم، بمعنى: "أُتي لوالده شتيمة: أبوك ما عرف يربّيك".
زمان الناس الحرّاثين والفلاحين، زمان فلاحة الأرض، (نأكل مما نزرع)، ومن يوم ما تخلينا عن الفلاحة، عن بيدر القمح والمذراة والشعوب والمنجل، من جلي ومن جلاه، راح الصايغ جلاه. ومن منجلي يا أبو رزة، وش جابك من بلاد غزة؟ جابني حب البنات والخدود الموردات.
راحت أيام الحصيدة، والجورعة، واللقّاطين، والبيدر، ولوح الدراس، وصاع الخليلي. واستبدلناهم بهدية الشعب الأمريكي، ومن يومها طارت بركة رغيف خبز الشراك المدخن اللذيذ.
أبو الرائد اسمٌ من زمان الرجال الأصلاء، أصحاب الكلمة والمواقف الثابتة، والمصداقية. زمن البساطة: "ازرع خير وارمه في البحر"، و"اعمل الخير ولا تنظر خلفك".
هكذا كان زمانه: زمان الطهر، والأطهار، والأنقياء، والناس طيبة النفوس.
زمن الفروسية والفراسة، والوعي العروبي عند شباب الأمة العربية، الذي كان مبكرًا، والدم العربي يغلي في عروقهم، والحمية العربية تدعوهم إلى الجهاد، والالتحاق بالثوار العرب، من أجل الدفاع عن أعراض النساء، والأرض العربية في فلسطين، والتخندق في خنادق العروبة.
فالعنصرية لم تكن موجودة، وبدلاً منها كان هناك اسم واحد: "أخونا العربي".
يومها ترى الشباب يمشون على الأرض بكل وقار، واحترام، وخشوع، خوفًا على مشاعر الأرض والقاطنين فوقها.
أما اليوم، فلا أخلاق ولا احترام، تشاهد في الشوارع المطاردات، والإزعاج، وإقلاق راحة الناس، والمعاكسات، والشتائم... حدث ولا حرج.
فاليوم فقدنا الاحترام والعيب، وأصبحت الشتائم السلوك اليومي للشباب، فقد ضاعت الأخلاق في سوق النجاسة.
أبو الرائد حنون، عاطفي، وعادل. فلذا يحب كل ما هو مبني على الصواب، والعدالة، والإنصاف.
هكذا كانت تربيته الصالحة التي تربّى عليها من والديه. ويردد دائمًا: "لا يصح إلا الصحيح".
فترى هذه القيم متأصّلة في أبي الرائد، وقد اكتسبها منذ الصغر من أسرته.
طيب القلب، متسامح، وهو ليس مستفَزًا، ولكن هذا كان جزءًا من تربية الآباء والأجداد لأطفالهم. فقد ربّانا أهالينا على ذلك، وتخرجنا من تحت أيديهم مُربَّين، رجالاً ندوس الظلماء، ونكسر الصخر بسواعدنا.
لماذا كتبت عن سعادة الأستاذ عيسى الريموني؟ لأنه إنسان في زمانٍ فُقدت فيه الإنسانية، والعطف، وحب الآخرين كما تحب لنفسك.
لأنه كمثل سنبلة قمحنا زمان البيدر والحصّادين والعونة، والمشي بالليل على ضوء قمر الحصّادين القمح والشعير.
زمان دَرْس بيدر القمح والشعير على الدواب، وأغنية الفلاحين المعروفة:
"كت... السمسم بجراسة...
واللي يهوى وما يؤخذ... يكبّ السكن على راسه."
لأنه عاش جزءًا من زمان وصفي التل، رحمه الله.
وهو من جيل الموقف الصادق، والمشاعر النبيلة، يحب طموح الشباب، ويشفق على الحاسدين، ويدعو الله لهم بأن يشفيهم من مرض الحسد.
فقد كان شعلة نشاط وحيوية، يتنقل هنا وهناك في ربوع الأردن وخارجه، واليوم فقد تباطأت خطواته، وقل نشاطه، ولم تعد الناس الطيبة تسمع أخباره، ولم يسمعوا نصائحه وإرشاداته، فقد كانت وما زالت لهم نبراسًا.
واليوم عندما يزور "ريمون"، يقولون عنه:
أهله وربعه وعزوته، وكل الناس البسطاء الطيبين المساكين والمحتاجين: "طل قمر ريمون"، ونوره أضاء المدينة.
لقد صنع نجاحه ومكانته الاجتماعية بيديه، وبعرق جبينه، تحت شمس الغربة الحارقة، بعيدًا عن توليه مواقع المسؤولية في الدولة الأردنية.
وقد تكلم وما زال بلسان أبناء الحراثين الطيبين، المنزرعين في أراضيهم، فهذا ميدانه: خدمة الناس، وليس عبر تولّيه موقع المسؤولية.
ولذلك فهو على تواصل تام مع أبناء مدينته والمسؤولين للتغلب على حلّ قضاياهم العالقة.
لقد صدّقناهم عندما أقنعونا أن الفقر ليس عيبًا، حتى لا نسعى إلى مواصلة التعليم، ولا نسبق أولادهم في المواقع الرسمية.
وقالوا لنا: توجّهوا إلى شركاتهم، ومؤسساتهم، ومزارعهم، وبيوتهم، خدَمًا لهم ولأولادهم، حتى يزدادوا غنى وتُخمة على ظهورنا، نحن العمال، والفلاحين، والعسكر.
وقد أصابتهم الصدمة، والطامة الكبرى، عندما تجاوزنا هذه العقدة، بحصول أبنائنا على أعلى الشهادات العلمية على ضوء القمر والفانوس.
وازداد إقبال أبناءنا على الدراسة في الجامعات. ويومها كان للمعلم هيبة، وكنا نحترم سابع جار، ونتقاسم مع الجيران اللقمة.
هذا زمن الطيبين.
وها أنا ابن ذاك الجيل، جيل الزمان الذي كتبت حروف اسمي على صخورها، وأشجارها، بلوطها، وسنديانها، وزيتونها، ومدارسها، وجمعياتها، وناديها.
ومن "ريمون"، الحب الأول والأخير، صعد القلب النابض بحب الخير، والنظر إلى العلياء.
ومدّ يديه السخية للتخفيف من معاناة الناس الفقراء.
عنوانه: حق الفقراء على الأغنياء.
جيلٌ عاصر حروب فلسطين، وقد عاش بين جيلين مختلفين، وجيله الأكثر فهمًا للحياة، جيل العصاميين.
فلم يَشْكُ من كثرة المقررات الدراسية، ولا من حجم الحقائب المدرسية، ولا من كثرة الواجبات المنزلية.
جيل لم يكتب له والداه واجباته المدرسية، ولا يرسلانه لتلقي دروس خصوصية، ولا يوعدانه بالحوافز إن تفوق ونجح في المدرسة.
كانوا يدرسون على ضوء القمر، وينامون بمجرد انطفاء المصباح في الغرفة.
جيل كان لوالديه ولمعلميه هيبة.
جيلٌ كان يحترم سابع جار.
وكوني صحافيًا عملت عنده سنوات في وسائله الصحفية، يتوجب عليّ أن أكتب عن هذا الرجل الفاضل، من أجل أن يقرأها هذا الجيل، والأجيال المقبلة.
واليوم، أيها المناضل الشجاع، والوفي، والوطني المخلص حتى النخاع، ومن باب ردّ الجميل، فقد آن الأوان أن يُقال لك:
"بوركت إنجازاتك، ومشاريعك، وعطاءك، وأعمالك الخيرية، يا نصير الفقراء والمحتاجين."
على إنجازاتك التي تتحدث نيابة عنك، وتخرس حسّادك ومنتقديك، لأنهم لا يملكون شيئًا يمكن أن يقدّموه للآخرين لإثبات وجودهم على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ولا حتى الدولية.
(عَجَزة) لا يملكون إلا سلاح الحسد، والغيرة، والانتقاد.
هؤلاء يسترزقون من حسدهم، ولولاه لما امتلكوا شيئًا لمواجهتكم.
اترك الحُسّاد وحسدهم، وأحاديثهم التي كمثل حديث النسوة والعجائز على القبور، وبالمقابل، يكفيك فخرًا أن الناس البسطاء يتحدثون عنك، وأنك سنبلة قمح من قمحنا المليء بالحبوب.
وأنك لم ترتجف يومًا خوفًا من أحد، ولم يرفّ لك جفن، فقد كنت تنام الليل وأنت مرتاح الضمير.
والناس يتحدثون عن إنجازاتك، ويحملون فكرك، ويفتخرون بالأصل: عيسى العابد الريموني.
لأنك اتّبعت مقولة المغفور له الملك الحسين بن طلال، رحمه الله وغفر له، عندما قال:
"الإنسان أغلى ما نملك."
فسرتَ على هذا الدرب، درب التنمية، والبناء، والإعمار، لأنك آمنت بهذه المقولة، فرأيت أن تقديم الخدمات العامة للمواطنين ضرورةٌ ملحّة، مع أنها ليست سهلة، فهناك أناس طباعهم تحبط كل جهد، وإنجاز يتحقق على أرض الواقع.
إنها قوى الشدّ العكسي.
فإذا لم يستفد هو، يستفيد أولاده، أو أحد من عائلته.
وهذا العمل نتيجة تنقّلك هنا وهناك في الغربة.
فلوطنك عليك حق، واليوم، وبعد أن أديت واجبك نحوه بكل أمانة، وإخلاص، ووفاءٍ منقطع النظير، وعطاء لا ينضب، غير محدود، ونفّذت جوهر برنامجك الاجتماعي الذي تعلّمته من كبار أهلك، الذين فضّلوا الزراعة والتجارة ومحاصيلهم الزراعية على أي شيء آخر، فانعكس ذلك على أسلوب حياتك، مع أسرتك، وأعمالك التجارية المتنوعة.
وكنت شعلة من الحيوية والنشاط طيلة أيام حياتك، وأنت تتنقل من مكان إلى آخر، شامخًا، رافع الرأس، وستبقى كذلك.
والآن، يحق لك مراجعة مسيرتك: أين أصبت، وأين أخطأت؟
وآن لك أن ترتاح، وعائلتك فخورة بك، وراضية كل الرضا عمّا قدمت وأديت.
ويحق لك أن تتدلل على أولادك، لأنك أكلت مما زرعت، وجنيت من تعبك، ومالك، وحلالك.
ويبقى الأستاذ عيسى العابد الريموني والدهم ووالد الكل، ابن الوطن، ابن الأردن الحبيب، لا يلتفت إلى الوراء، ولا ينتظر شكرًا من أحد.
ويظل أهل جرش الشرفاء حوله، لا يبتعدون عنه.
فأنت الصوت الأردني الحر، الذي أنصف الرسالة الهاشمية، وأبناء المشروع الهاشمي الأول.
سلمك الله يا أبا الرائد، الذي تردد دومًا: "نعم يا خوي"، عندما يتكلم معك الناس، لا فرق عندك بين غني وفقير.
وهذا إهداء خاص لكل عاشق لقراءة تاريخ هذا الرجل: الأستاذ عيسى العابد الريموني "أبو الرائد"، كي يستمتع بحب القراءة، ويعرف تاريخ من عاش، وما سمعه عن تلك الأيام الجميلة من الآباء والأجداد.
ويبقى ذاك الزمان الأردني، الزمان الجميل والأجمل، مهما تقدّمت الأحوال وتطورت ظروف الحياة، مكتوبًا على مسارحها، تحكي لكل الأجيال التاريخ الأردني العريق.
الصوت الحقّاني، الذي لا يعلوه صوت.