معبر رفح: بوابة غزة إلى العالم .. الجسر الإنساني
د. هيفاء ابوغزالة
01-08-2025 12:13 PM
في خطوة تعبر عن تكاثف الوطن العربي ودعمهم لإخوانهم في غزة، تم تكليفي من قبل معالي الامين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط برئاسة وفد من جامعة الدول العربية في الخامس والعشرين من نوفمبر 2023 ، حيث التقى بالطريق الى رفح مع وفد وزارة التضامن الاجتماعي المصري برئاسة معالي وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج حاملاً أجهزه طبية وأدوية ومواد غذائيةً مقدمة من مجلسي وزراء الصحة والشؤون الاحتماعية العرب، وإنطلقت رحلة الوفد الساعة السادسة صباحا برا من القاهرة الى المعبر التي استغرقت حوالي ست ساعات ذهاباً ومثلها عودة في مهمة إنسانية لم تُخْلَ من التحديات والصلابة..
الطريق للمعبر إلى غزة لم يكن خاليًا من المشاهد المهيبة، حيث شاهدنا بالطريق الى معبر رفح مئات الشاحنات التي حملت أعلام لدول عربية ولدول صديقة ومنظمات إقليمية ودوليةً وعلم جامعة الدول العربية محملةً بالبضائع المتنوعة وهي تسير باتجاه رفح، الرئة الوحيدة التي يتنفس منها القطاع المحاصر..
وفي هذه الفترة الحرجة، كان وفد جامعة الدول العربية أمام تحدٍ جديد وهو الاطلاع على آلية إمداد المواد التموينية والتنسيق مع الهلال الأحمر المصري، الذي يعد شريكًا أساسيًا للتخفيف من وطأة الحصار والمعاناة..
ووصل الوفد الى المعبر بنفس اليوم الذي تم فيه إعلان الهدنة ليوم واحد فقط، لقد كانت الزيارة تحمل في طياتها أكثر من مجرد تقديم المساعدات؛ بل كانت أيضًا مناسبة للتعبير عن صرخة الحق التي يواجهها الشعب الفلسطيني.
وهناك، في قلب الأحداث، تم الاستماع للمتطوعين والعاملين في مخازن الهلال الاحمر المصري لمتابعة إجراءات إعداد وايصال قوافل المساعدات التي تصل من جميع أنحاء العالم الى الاشقاء في غزة ، استمعنا منهم الى الأزمات والتحديات التي يتم مواجهتها يوميا لادخال المعونات المقدمة ، وهي صعوبات تعكس حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة..
ولن أنسى زيارة مستشفى العريش في رفح الذي خصصته مصر مشكورة لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة الاغر على يد الاحتلال ، وكان أصعب مشهد زيارة الاطفال الخدج الذين تم محاوله قتلهم على يد قوات الاحتلال الجبان من خلال قطع الكهرباء والاكسجين عنهم عند تدمير مستشفى الشفاء .
كما كانت الزيارة تستعد لإبراز صوت الحق حيث تم مخاطبة الإعلام الدولي المتواجد عند بوابة المعبر حول المجازر التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، بما يعكس ضرورة تسليط الضوء على تصرفات الاحتلال الهمجية وما تسببه من دمار وفظائع. هذا الصوت، الذي يعبر عن القضية الفلسطينية بوضوح وقوة، هو ما التفتت إليه بعض وسائل الإعلام التي تتجاهل أحيانًا معاناة المدنيين.
إن زيارة وفد جامعة الدول العربية إلى معبر رفح مع غزة لم يكن مجرد رحلة لتقديم المساعدات، بل هي تجسيد لإرادة الأمة العربية في وقف العنف وإيصال المساعدات، ونقل صورة واضحة عن واقع المجازر التي تُرتكب من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي وانتصار لقضية فلسطين. تلك اللحظات تذكّرنا جميعًا بأن التضامن والإنسانية لا يزالان راسخين في القلوب، مهما تعاظمت التحديات..
وتم لاحقا وفي الخامس عشر من فبراير 2025 تشكيل وفد ثانٍ رفيع المستوى من الامناء العامين المساعدين وهم السفراء حسام زكي، هيفاء ابوغزالة ، سعيد ابوعلي ، ومحمد العجيري من جامعة الدول العربية وعددا من مديرين الادارات المعنية في الجامعة ، ورافق وفد الجامعة مندوب فلسطين الدائم بجامعه الدول العربية السفير مهند العكلوك، كما تم التعاون مع رؤساء المكاتب التنفيذية لمجلسي وزراء الصحة والشؤون الاجتماعية اصحاب المعالي من مصر الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء وزير الصحة والسكان والدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن لزيارة المعبر، وكانت الرحلة الثانية لوفد الجامعة ووفد الحكومة المصرية على متن طائرة لسلاح الجو المصري ، وقد تم تقديم كافة اشكال الدعم للزيارة من قبل الحكومة المصرية , حيث جاءت الزيارة الثانية لتأكيد التضامن العربي مع الاشقاء في فلسطين وبمثابة خطوة مهمة تعكس التزام الجامعة بدعم القضية الفلسطينية والمساهمة في تخفيف المعاناة الإنسانية عن الاشقاء في غزة .
وتم خلال الزيارة الثانية للمعبر الالتقاء مع الجرحى والمصابين وهم قادمين من غزة على متن سيارات الاسعاف للهلال الاحمر المصري وكان للوفد الفرصة لمحادثتهم لدى دخولهم الاراضي المصرية عند باب المعبر للاستماع منهم عن الاوضاع الكارثية والاصابات التي تعرضوا لها من قبل قوات الاحتلال الهمجية ,وصادف الوفد عند بوابة المعبر مرور القافلة التي حملت بعض الاسرى الفلسطينيين الذين تم اطلاق سراحهم من سجون الاحتلال الاسرائيلي ضمن الاتفاق الذي حصل في تلك الفترة ولم يلتزم فيه لاحقا العدو الاسرائيلي .
هذا وقد عقد الوفد العديد من اللقاءات الاعلامية والتي أكدت بأن الزيارة جاءت تجسيدًا لموقف الدول العربية الجماعي تجاه دعم القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الاقليمية والدولية، وتأكيدًا على أهميتها في أجندة العمل العربي المشترك. ولتسليط الضوء على الأزمات الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة، والعمل على دعوة المجتمع الدولي لتقديم المساعدات اللازمة وتوفير الدعم الإنساني للمتضررين ووقف اطلاق النار .
وفي نفس الشهر ودلالةٍ على قوة التضامن العربي، حمل جلالة الملك عبدالله الثاني مواد إغاثية لغزة بالطائرة حيث كانت ضمن عملية الجسر الانساني التي أطلقها جلالته في فبراير 2024 حيث تم تسيير سرب من الطائرات العسكرية المحملة مساعدات لللاشقاء في غزة, حيث حلق صاحب الجلالة شخصيًا بطائرة تابعة للقوات العربية الاردنية الباسلة لتأمين الإمدادات الغذائية من الجو للأشقاء في القطاع، وقد رسّخ هذا الحدث ضمن السياق التاريخي للمساعدات العربية التي دأب العرب على تقديمها لفلسطين. الفكرة هنا كانت واضحة، وهي أن العرب لن يتركوا إخوانهم وحدهم أمام آلة الحرب الإسرائيلية.
إن الزيارات التي قام بها وفد جامعة الدول العربية تؤكد على الأهمية المستمرة للتضامن العربي مع القضية الفلسطينية في ظل التحديات الحالية التي يعيشها الاشقاء في قطاع غزة ولدعم الجهود الانسانية والسياسية الحالية. فالزيارة تعكس أهمية العمل العربي المشترك في تكثيف الجهود الإنسانية وتقديم الدعم العاجل للمتضررين، والمطالبة بوقف اطلاق النار ، وتسليط الضوء على الحاجة الملحة لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة. فهي ليست مجرد خطوة رمزية، بل هي تأكيد على التزام الدول العربية بقضية فلسطين والعمل من أجل مستقبل يعكس آمال وطموحات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.
رفح ، لأنها ليست مجرد بوابة. رفح معيارٌ: تفشل أمامه المبررات حين ينجح الفعل، وتُقاس به جدّية المجتمع الدولي تجاه العدالة والكرامة. كل ساعة فتح للبوابة تعني حياة إضافية، وكل عرقلة تعني ألمًا يمكن منعه.