الإطار الوطني لمواءمة التعليم مع سوق العمل… من القرار إلى التطبيق
د. أحمد غندور القرعان
06-08-2025 02:51 PM
جاء قرار هيئة الاعتماد وضمان الجودة الأخير باعتماد خبراء من سوق العمل وقطاعات الإنتاج المختلفة كمدرّسين ومدرّبين ضمن الطاقة الاستيعابية للبرامج الأكاديمية ليعكس تحوّلًا نوعيًا كأحد الحلول المقترحة لردم الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل. وكان رئيس جامعة اليرموك قد كشف سابقًا عن نية الجامعة تعيين أعضاء هيئة تدريس من الممارسين وأصحاب الخبرات العملية دون اشتراط درجتي الماجستير أو الدكتوراه، واليوم يتحول هذا التوجه إلى قرار رسمي أقرّته الهيئة. فهل كانت جامعة اليرموك ستباشر في تنفيذ هذا التوجه فورًا أم كانت تنتظر اعتماد الهيئة؟
هذا القرار يفتح الباب أمام إصلاح حقيقي للتعليم العالي وربط الجامعات بسوق العمل، لكنه في الوقت ذاته يفرض ضرورة وجود إطار وطني واضح ينظم العملية ككل ويحولها من فكرة طموحة إلى سياسة قابلة للتنفيذ. من دون هذا الإطار، هناك مخاطر أن يتحول القرار إلى إجراء شكلي لا يتعدى تعيين بعض الخبراء على الورق دون أثر ملموس على جودة التعليم أو جاهزية الخريجين.
الإطار الوطني المطلوب يجب أن يكون تحت مظلة هيئة الاعتماد وضمان الجودة، بحيث يتضمن سجلًا وطنيًا للخبراء المعتمدين، ومعايير دقيقة لاختيارهم، وآليات لتقييم أدائهم وربط مشاركتهم بمؤشرات أداء واضحة مثل نسب التوظيف وجودة التدريب العملي. كما ينبغي أن يُلزم الجامعات بنسبة محددة من التدريس تحت إشراف هؤلاء الخبراء، خاصة في البرامج التطبيقية والمجالات التكنولوجية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وعلم البيانات.
تجارب الدول المتقدمة تثبت أن هذا النهج قابل للتطبيق وقادر على إحداث أثر كبير. ألمانيا تطبق التعليم المزدوج الذي يدمج الدراسة الأكاديمية بالتدريب الميداني، وسنغافورة تربط تمويل الجامعات بمعدلات التوظيف، والنتيجة مخرجات تعليمية قادرة على الاندماج الفوري في سوق العمل. الأردن قادر على الاستفادة من هذه التجارب مع تكييفها بما يلائم بيئته الاقتصادية والاجتماعية.
إذا ما تم تفعيل هذا الإطار، يمكن خلال سنوات قليلة تقليص فجوة التعليم وسوق العمل، وخفض معدلات بطالة الخريجين، وتعزيز شراكات الجامعات مع القطاع الخاص. القرار بيد هيئة الاعتماد، لكن نجاحه مرهون بوجود إطار وطني صارم يضمن التطبيق السليم ويراقب أثره على أرض الواقع.
هذا التحول ليس خيارًا ثانويًا بل ضرورة وطنية، فالتعليم الجامعي لا يمكن أن يبقى معزولًا عن احتياجات الاقتصاد. المطلوب اليوم أن تتحول الجامعات إلى منصات إنتاج للمهارات، وأن يصبح سوق العمل شريكًا مباشرًا في صياغة المستقبل الأكاديمي للأردن، وأن تتحول هيئة الاعتماد إلى الجهة الضامنة لربط القرارات بالنتائج لا بالشعارات.