facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الإدارة المحلية في الأردن .. حين تلتقي ذاكرة المكان بإرادة المستقبل


المهندس محمد النجداوي
15-08-2025 11:48 AM

ليست الإدارة المحلية في الأردن مجرّد فصلٍ في كتاب القانون أو بندٍ في جدول الإصلاح الإداري، بل هي حكاية وطنٍ تمتد جذورها إلى ما قبل ولادة الكيان السياسي الحديث. هناك، حيث تشابكت خيوط التاريخ بأسئلة الحاضر، وتكوّنت الملامح الأولى لفكرة الحكم القريب من الناس. وهي اليوم المرآة التي تعكس قدرة الدولة على الموازنة بين صلابة القرار المركزي وحيوية المبادرة المحلية، والمقياس الذي يُظهر مدى نضج التجربة الديمقراطية وصدقها في الإصغاء إلى نبض الشارع.

قبل أن تُعلن عمّان عاصمة لإمارة فتية عام 1921، كانت المدن الأردنية تُدار بروح المشاركة والمسؤولية المشتركة؛ مجالس بلدية في إربد والسلط والكرك ومعان وعجلون ومادبا وجرش وسحاب والطفيلة، تشكّلت حول إرادة الأهالي لتدبير شؤونهم وفق حاجاتهم. القرارات كانت تُصنع على مقربة من البيوت، والخدمات تُنفَّذ تحت أنظار الناس، لتشعر المدينة أن أبناءها هم رعاتها وحماتها. ومع نشوء الدولة المركزية وتعاظم دورها، انسحبت الصلاحيات شيئًا فشيئًا من تلك المجالس، حتى غدت البلديات مجرّد موفّر للخدمات الأساسية، بعد أن كانت صانعة القرار المحلي وحاضنة روح المبادرة.

لكن الحلم لم يغِب عن الذاكرة. ففي 2004 طُرحت فكرة الأقاليم التنموية الثلاثة، لكنها بقيت مشروعًا على الورق. وفي 2015 صدر قانونا البلديات واللامركزية، فتنفّست المحافظات شيئًا من الأمل في التخطيط وإدارة المشاريع، غير أن تضارب الصلاحيات وضعف التنسيق كشف أن النصوص وحدها لا تكفي لصناعة التحوّل. وفي 2021 جاء قانون الإدارة المحلية الجديد، جامعًا الصلاحيات في إطار واحد، مانحًا البلديات والمجالس سلطات أوسع، لكن ظل السؤال معلقًا: كيف نحول الحبر إلى أثرٍ حيّ في حياة الناس؟

اليوم، ونحن في المئوية الثانية للدولة،ومع قرار حل المجالس البلدية ومجالس المحافظات تمهيدًا لانتخابات جديدة، يقف الأردن أمام مفترق طرق حاسم. إما أن نعيد إنتاج المشهد ذاته، أو نخطو نحو بناء نموذج متكامل للحكم المحلي، يقوم على شراكة صادقة بين الدولة ومجتمعاتها، لا على مركزية متوجسة من المبادرة. فالحكم المحلي الناجح ليس شعارًا انتخابيًا عابرًا، بل مسار متدرج يقوم على نقل الصلاحيات تدريجيًا حتى تترسخ الكفاءة المحلية، وعلى استقلالية تُصان برقابة تحمي من الانحراف دون أن تخنق القرار، وعلى تمويل عادل يوزع الموارد بميزان الحاجة والحق، وعلى مشاركة شعبية حقيقية تجعل المواطن شريكًا في صناعة القرار لا متفرجًا على نتائجه.

ومن المغرب، الذي قطع خطوات واسعة في الجهوية المتقدمة، إلى ألمانيا الفيدرالية التي وزعت الصلاحيات بوضوح على الأقاليم، نتعلم أن الحكم المحلي ينجح حين تُرسم الحدود بين السلطات بدقة، ويصبح القانون حارسًا للمصلحة العامة، لا أداة لانتزاع الصلاحيات. آن الأوان للخروج بقانون ادارة محلية جديد،نصل من خلاله إلى مفهوم الحكم المحلي بشكل تدريجي،وتحديد كافة المخاطر المحتملة والحلول لها وكما يلي:

•تضارب الصلاحيات:الحسم بنصوص قانونية واضحة وآليات لحل النزاعات بسرعة
•ضعف الكفاءات الإدارية:برامج تدريب مستمرة وربط المناصب بمعايير مهنية
•غياب العدالة في توزيع الموارد:صندوق وطني بمعايير شفافة للتوزيع
•الفساد والمحسوبية:رقابة مزدوجة (حكومية ومجتمعية)مدعومة بالتحول الرقمي
•ضعف المشاركة الشعبيّة:استفتاءات محلية ومجالس استشارية فاعلة

إن الإدارة المحلية في الأردن ليست مشروعًا إداريًا فحسب، بل اختبار لإيماننا بأن التنمية لا تُدار من فوق فقط، وأن الوطن لا يبنيه المركز وحده، بل تنهض به أطرافه وبلداته وقراه.

إنها دعوة إلى أن نستعيد روح المجالس الأولى، لكن بعقل العصر وأدواته، وأن نؤمن بأن القرب من الناس هو أقصر طريق لبناء دولة قوية وعادلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :