بعد كتابة 140 مقال متخصص في سياحة المغامرة والمسير والترحال اقف محتارا اليوم امام مقدمة لمسار جامع لكل مكنونات الدهشة وذهول الفطرة والانصياع لاوامر الطبيعة بما حباها الخالق من جمال فارضة عليك مسار لا قدرة لك فية ان تحيد عنه بخطوة، فالقرار هنا لحكم المكان وحنكة قائد المسار.
الراجف شعلة الحماس
وصلنا البلدة القديمة من الراجف مع الخيوط الاولى من الفجر لنتسابق مع الزمان وادارة الوقت لانجاز مسار يتطلب تعاون كبير بين الفريق والانصياع التام لقائد المسار عبدالرحمن القطاونة ومعاونية، بعد ان استعرض لنا جميع المراحل التي سوف نمر بها من انزال بالحبال ومداخل ومخارج مراحلة والعوائق الصخرية حتى يكون الجميع بعلم على مدى قدرتهم البدنية والعملية لانجازة كاملاً دون مبيت، ومن هنا انطلقنا بسيارات الدفع الرباعي سالكين طريق ترابي وفي الافق وادي عربة يلوح لنا برمالة الذهبية بين كفي جبال الشراة الحمراء الوردية والتلئلئ الجوهري لقباب الكوارتز التي كانت يوماً تحت مستوى سطح البحر قبل ان يجف بسالف الزمان، سمفونية من الجمال اكتملت مع تعالي ضحكات الصباح دابة الحماس، لنصل نقطة البداية بعد مسير 6 كلم لنهم مباشرة بارتداء خوذ السلامة والاحزمة الحاملة وما نحتاجة من حلاقات وخطافات فردية لكل انزال.
وادي ابو ارشي
شق افعواني متعرج ضيق المدخل كثير العوائق تنسل الية اشعة الشمس في بعض الثنايا، اجتازة نفر قليل من عشاق المغامرة اصحاب الشجاعة، حيث يحتاج الادوات احترافية ولياقة عالية مع خبرة باستخدام الحبال والتكيف مع التضاريس، فمن مدخلة انزال معلق فوق جلمود املس تناوبنا علية ليكون نقطة احماء لما بعدة من انزالات ضيقة البداية تنصاع فيها لتعليمات قائد المسار اين تضع اقدامك وكيف تستخدم يدك المساعدة (اليسرى) مع الحذر ان لا تدخل بين الحبل والصخر فقد تسبب لك اصابة او تعلق وتوجيهات المساعد اين تتجة وكيف ترتكز او تتعلق، فهذا الثنائي المتكامل هم بوصلتك واساس سلامتك.
مع كل خطوة كان آرشي يزداد روعة ويصبح اكثر ضيقاً وارتفاع شوامخة ولولبياتة بين صخور تقراء تفاصيلها كخطوط راحة اليد ولا فرق بين ما جبلنا منه من طين وما نحن فية الان بين ثنايا صخر وردي اصم يعيد شحن طاقتك بما اختزن فيها من شحنات وهو ما اكدة اصحاب الاختصاص والعلم، ومن انزال الى اخر لمنزلاقات ملساء مصقولة تترك جسدك لها دون عوائق لتوصلك لبرك راكدة كالجرون يتجمع فيها ماء الشتاء يبقى في بعضها شيء لاخر الصيف دون ان يجف لبرودة المكان وحرارتة المعتدلة في قلب الجبل وعدم وصول اشعة الشمس اليها، " فسبحان من سقى خلقة حتى في بطون الجبال" اصبحت مشرب للطيور وثنايا القمم امان لاعشاشها، وفي لحظات الصمت تتعالى تغريداتها ويتردد صداها ومع اقتراب خطواتنا تسمع تسارع رفرفة اجنحتها تاركة مكانها لعبورك، وفي احدى الممرات حيث كثر الريش في الطريق كان فرخ طير وحيداً قد سقط من عشة نبه كلا منا الاخر حتى لا ندوسة لظلمة المكان وضيقة فالممر بالكاد يتسع لموطئ قدم.
الحلازوني ونافذة الجبل
المرحلة الاجمل من الوادي "بتقيم الجميع دون اعتراض" حيث الولبيات والثنايا التي لا تنتهي اينما نظرت ترى تحاورها بين نور وظل تختزل الجمال كلوحات رامبرات سيد الضوء والظل التشكيلي او خطوط تتحكم بقدميك ثناياها لنصل للمرحلة الاجمل لا وبل المثيرة للذهول والتي كنا نترقب بشوق لوصولها والمعروفة بمرحلة " البئر" وهنا اعاد قائدنا ابو خطاب تعليماتة بدقة لكل خطوة بالتفصيل كيف تنزل واين تقف وتتمسك.
بعد احكام اغلاق حلاقات الانزال والحذر من الصخور وتوجية جسمك بيدك اليسرى وتثبيت الحبل بالحزام الحامل والتوازن بقدميك تدخل انزال البئر خطوة خطوة منزلقاً فوق صخرة الاملس لتصل لفوهوة الخروج لتظفر بلقطة قل نظيرها عبرها في طبيعة غدت حلم فخر لكل عشاق المسارات بالوصول اليها لا وبل اصبحت عنوان تسائل لاصدقاء الهواية من الخارج ومن يشاهدها على وسائل التواصل الاجتماعي تستحق ان تكون ايقونة منشورات لسياحة المغامرة في مثلثنا الذهبي على وجة الخصوص والمملكة قاطبة، فلم ينتهي الانزل عند هذه النافذة التي تعبر منها الى جرن واسع هذبة جريان الماء الموسمي، وهنا تحتاج ليد عون لتتسلق حافتة ليفتح امامك الصخر كالنافذة تقف مذهولا من جمال الافق من على ارتفاع 50 متر عامودي لتاخذ نفسك بعمق وتخزن بلحظات جمال يطبع في ذاكرتك مدى الحياة في زمان اصبحت فية الطبيعة سيدة الدهشة، لتكمل انزالك للتجويف حيث ينتظرك القطاونة بترحيب لشجاعتك ليبدل بلحظات حبال مرحلة الانزال بعد ربطك بمهارة بحبل السلامة على حافة بسعة القدم حيث يشير اليك قائد المسار الفذ، لتكمل انزالك بتوجيهة بشكل عامودي مع الحذر من حدة نتوئات الصخر والمرحلة الملساء التي استبقتها.
فما ان تصل حتى تاخذ بتتبع خطوات زملائك وهم ينسلون بالحبال من رحم الجبل والاستمتاع بها من تحت ظل اشجار البطم ومشاهدة ما جناة لك زملائك من لقطات قل نظيرها واستراحة افطار قصيرة والوحيدة التي يجوز لك فيها خلع خوذتك.
الوادي المظلم
وبعد استراحة اخذنا الطريق خلف قائد كشاف بين صخور ضخمة وجلاميد ملساء متباعدة تحتاج لحذر في اجتيازها والانتباة لما نبت بينها من اشجار الدفلى وتين الحماط منها ما استخدمنا اغصانة للتشبت والتعلق بدلا من الحبال لقصر المسافة واختصار للوقت المتاح للمرحلة وصولا لقلب الوادي بعد انزالين والمغلق بصخرة صخمة منفذك الوحيد للمرور بالزحف اسلفها بعد اجتياز ما تشابك من دفلى اشتدت اغصانها ونباتات بكر تاصلت بالمكان.
مع اننا وصلنا مع وقت العصر لبداية الشق "المظلم المنشود الا ان الظلام كان يزداد كلما تعمقت ببطن الجبل اكثر والمستوجب استخدام الاضوية المثبتة على خوذ الحماية حيث اشار لنا قائدنا ان نكون متاكدين من شحنها قبل الرحلة فالظلام دامس والمسير بقلب الجبل طويل وبة العديد من العوائق المتتالية اضافة الى الكثير من المراحل التي تحتاج لحشر جسمك بقدميك ويديك بين صدعي الجبل الاملس والنزول من ارتفاع يصل في بعض مراحلة لاربعة امتار وهنا ايضا دور تعاون الفريق جميعاً.
وادي غويبه
مع جنوح الظلام انهينا مرحلت الانزالات كاملة مع ملتقى شق المظلم بوادي غويبه المفضي لوادي عربه، لنتحرر هناك من احزمتنا وخوذنا واستراحة قصيرة تعالت فيها صيحات الانجاز اعادت الينا الطاقة والعزيمة لمرحة القصب المتشابك وهو عائق المرحلة اضافة لتضاريس المكان الصعبة والمحتاجة حذر بالالتفاف حولها من على كتف الوادي سلوكاً للممشى التاريخي القديم الذي شق قبل 2000 عام ظهر فية اثار تشذيب لمعاول نبطية موازيا لقناة ماء اندثر معظمها الا ان جزء كبير منهما قد تهالك بحكم الطبيعة والاستخدام قاصدين العين القريبة الحاملة لاسم الوادي مع ان هناك منطة بالغور الصافي واخرى بلبنان تحمل ذات الاسم.
مع ان المرحلة النهائية طويلة الا ان نسيم الليل وما ظهر من نجوم في صفحة السماء والسير على مهل مع مجرى الماء الجاف كان لنا حافز لمتعة طيب الحديث الموثق لمراحل الرحلة وصولا لنقطة النهاية بسلام مستغرقا منا 15 ساعة مسير متواصل يحتاج للمثابرة والتعاون والبديهة ولانتباه الاتمام 14 انزال وغيرها من المنزلاقات والعوائق والبرك الراكدة.
الشبية العالمي
وفي الولايات المتحدة هناك مسار "شيكربورد كانيون" الذي يعد مقصداً مهم للمحترفين شبية تماماً لمسارنا "هنا بين البترا ووادي عربه" من حيث التضاريس والطبيعة وتوالي المراحل ومستوى الصعوبة والمسافة ايضاً يمكن ان يكون بينة وبين وادينا البكر آرشي توئمة وهيا فرصة سياحية اضافية للبترا خارج نطاق المحمية الاثرية، وهذا يعيدنا للاذهان عندما ترافقنا مع السفيرة الامريكية السابقة يائيل لامبرت لوادي الحسا واصفينة ايها بشبية جراند كانيون في بلادها التي اثنت على ذلك بما نشرت بعد الزيارة على صفحتها بوسائل التواصل الاجتماعي ومن كان معها من كبار اركان السفارة، وهنا ياتي الاستثمار بالشبة والتجربة عبر القارات واستغلال موقعنا في سياحية المغامرة لتوسطة العالم وانخفاض تكاليف السفر والتنوع الفطري والجيولوجي والارث عبر التاريخ ووجود نخبة من الشباب من اصحاب الخبرة والطموح لخدمة هذا المنتج الذي يعد مستقبلاً واعداً للسياحة.