"نعود للوطن" .. عودة النشيد الصهيوني
مصطفى القرنة
21-08-2025 12:22 PM
"نعود للوطن
وطننا إسرائيل
إنه الآن صغير
ولكننا سنبنيه
بأيدينا هذه
من النيل إلى الفرات"
ليست هذه مجرد كلمات... إنها نشيد شهير عندهم ، وحدود تُوسّع بالشعر، ووطن يُبنى على إيقاع الدماء .
في هذا النشيد، المليء بالشعور بالحماسة ، لا نجد ذكرًا لشعب كان هنا، يعيش، يزرع، ويبني ذاكرته منذ قرون. لا مكان في هذه الأبيات للفلسطيني، لا في الأرض، ولا في الحكاية، ولا في الحلم. فالوطن، كما تصفه هذه الأنشودة، يبدأ صغيرًا، ليكبر حتى يبتلع الجغرافيا من النيل إلى الفرات. ومن يسكن هذه الجغرافيا؟ لا أحد. لأن الرؤية التي تنبع من هذا النشيد لا ترى في الآخر إلا فراغًا، أو عائقًا، أو تاريخًا غير مكتمل.
رمزية الكلمات: من "العودة" إلى "الامتداد"
"نعود للوطن" – لكن عن أي عودة يتحدثون؟
إنها عودة ليست إلى مكان، بل إلى فكرة، إلى وعد توراتي قديم، تفسّره بعض التيارات الصهيونية على أنه تفويض إلهي. هذه العودة لا تعترف بالواقع، بل تُعيد تشكيله بقوة السلاح، وبصوت النشيد.
"وطننا إسرائيل... صغير الآن" – صغير فقط لأنه لم يبتلع بعد ما تراه هذه العقيدة من "حق تاريخي" في أراضٍ لم تكن يومًا خالية.
"وسنبنيه بأيدينا هذه..." – عبارة مشحونة بالفعل، لا توحي بالسلام أو المشاركة، بل بالتصميم الحديدي على التغيير الجذري، على الهدم لإعادة البناء، ولو فوق ركام شعوب بأكملها.
"من النيل إلى الفرات" – إنها ليست استعارة، بل أطماع صريحة. خريطة على شكل نشيد، وحلم على هيئة تهديد.
وأين الفلسطيني من هذا النشيد؟
لا وجود له، وهذا هو جوهر الإقصاء.
حين يُنشَد هذا النشيد، يُمحى الفلسطيني من اللغة، من الخريطة، من القصيدة. لا يُذكر اسمه، لأن الاعتراف بوجوده يُفسد الحلم.
ولكنه موجود... في كل حجر، في كل مفتاح، في كل زيتونة، وفي كل صمت لم يجد من يسمعه.
الشعب الفلسطيني، في نظر هذا النشيد، ليس أكثر من "عقبة مؤقتة"، يجب أن تُزال بالصبر، أو بالعنف، أو بالتجاهل.
لكن الغياب القسري من النشيد، لا يعني الغياب الحقيقي من الأرض.
الكلمة كرصاصة... والنشيد كخريطة استعمار
ما يُكتب في الأناشيد، قد يُنفَّذ في السياسة.
هذا النشيد ليس مجرد تعبير أدبي، بل هو انعكاس لعقيدة سياسية، تعتبر التوسع حقًا، ووجود الآخر تهديدًا، وتختزل الصراع في صورة ملحمية بين "العودة" و"التحرير" من وجهة نظر أحادية.
لكنه نشيد لا يحمل سلامًا، بل يرتدي قناع الحلم ليخفي تحتها جرافات المستوطنات، وحصار المدن، وتهجير القرى.
خاتمة: نشيد من طرف واحد
"نعود للوطن" – نعم، ولكنه ليس لكم، انه استعمارمغلف بالشِعر.
وأي نشيد لا يتسع لصوت الضحية، ليس نشيدا للحرية، بل صوت احتلال.
أما الفلسطيني، فله نشيده أيضًا.
لا يُغنّى على المسرح، بل يُزرع في الأرض.
نشيد لا يمتد من النيل إلى الفرات، بل من الجرح إلى الصمود، ومن النكبة إلى العودة