رسالة سياسية تثبت عجز (الشرعية)
د. ذيب القراله
31-08-2025 01:37 PM
القرار الامريكي المفاجىء ،المتمثل بإلغاء تأشيرات الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق له ،و ( منعهم ) عمليا من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل، يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول مستقبل القضية الفلسطينية برمتها، والدور الأميركي المرتبط بها.
ومن اجل فهم اعمق لموجبات ودواعي هذا القرار، لا بد ان نتوقف عند توقيته، وتزامنه مع توفر ( معلومات )تؤكد ان واشنطن وتل ابيب اتفقتا على انهاء السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي، وان ( خلايا التفكير ) منهمكة حاليا في تقليب اوراقها بحثا عن (صيغة أُخرى ) كسلطة بديلة ، لادارة المناطق الفلسطينية، المقطعة الاوصال، مما يُنهي اي فرصة حقيقية - واقعية ، لوجود الدولة الفلسطينية المنشودة.
قرار ( المنع ) الذي بررته واشنطن باعتبارات الأمن القومي وباتهامات للفلسطينيين بالتحريض والسعي لفرض اعتراف دولي بدولتهم بعيدًا عن المفاوضات الثنائية، أثار ردودا دولية غاضبة ، فهل من الممكن ان يتم البناء - فلسطينيا وعربيا - على هذه الردود ، على امل ان تتطور و ( تقلب السحر على الساحر ) وتأتي ( رياحها ) بغير ما تشتهي ( سُفن ) واشنطن وتل ابيب .
ومنذ اللحظات الاولى لصدوره ، رحبت إسرائيل بالقرار واعتبرته إنجازًا دبلوماسيًا يعكس تطابق الموقف الأميركي مع توجهات حكومتها اليمينية في تل أبيب ،كون المنع جاء في توقيت حساس، تزامن مع تحرك فرنسي – سعودي لمؤتمر حل الدولتين ، واطلاق مبادرة تعترف خلالها دول بارزة مثل بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطين رسميًا .
الأمم المتحدة ( معبد العجز الكوني ) أبدت ( انزعاجًا ) واضحًا، وذكًرت ببنود ( اتفاقية المقر ) التي تُلزم الولايات المتحدة بتسهيل وصول الوفود ، مع الايحاء ان نقل اجتماعات الجمعية العامة خارج نيويورك يبدو مستبعدًا، مما يجعل البدائل الأكثر واقعية ، محصورة بين خطاب للرئيس عباس عبر الفيديو ، أو تمثيل فلسطين عبر بعثتها الدائمة في نيويورك ، وهو الامر الذي يُؤكد ان ( الشرعية الدولية ) بلا انياب.
القرار الأميركي هو رسالة سياسية واضحة تحمل عدة دلالات اهمها إفشال مبكر لمحاولة إعلان اعتراف دولي واسع بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة، وتأكيد على الانحياز الأميركي لإسرائيل ، في وقت تشهد فيه الساحة الدولية تصاعدًا في الانتقادات العلنية لسياسة تل ابيب في غزة والضفة الغربية.
الاوساط الاعلامية - والدبلوماسية المُتابعة لقضايا المنطقة منهمكة في البحث عن تحليلات تُقدم قراءات وتضع سيناريوهات ، حول ما يحمله المستقبل بشأن تطورات القضية الفلسطينية ، وتبحث عن اجابات لاسئلة مفادها هل ستنجح واشنطن في كبح زخم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ام سيرتد القرار الامريكي بشكل عكسي، على واشنطن وتل ابيب عبر تعزيز التعاطف الدولي مع الفلسطينيين ، وهل سيكون هناك بعض الفتور في علاقة واشنطن ببعض حلفائها الغربيين إذا واصلت إدارة ترامب هذا النهج التصادمي، وهل ستستغل القوى المنافسة كروسيا والصين، هذه الفرصة ، و ( تجيًر ) تداعيات هذا القرار لصالحها ، وهل سيطلق القرار يد الفلسطينين ويعطيهم فرصة، لكي يذهبوا إلى بدائل قانونية عبر المحاكم الدولية، أو تكثيف تحركاتهم الدبلوماسية.
الاسئلة كثيرة والاجابات متباينه، لكن المؤكد هو ان إسرائيل، ستتخذ من القرار غطاءً سياسيًا لمواصلة سلوكياتها العدوانية - التوسعية، ولذلك فان النتيجة المتوقعة على الارض هي استمرار الجمود السياسي ، وازدياد التصعيد الميداني في غزة والضفة ، وربما حدوث ( مفاجآت ) جديدة في ظل غياب أي أفق للحل.
ومن الحصافة، ان لا ننظر الى القرار الأميركي بوصفه حدثًا عابرًا، بل ( محطة مهمة ) تكشف طبيعة المرحلة المقبلة ، التي قد تشهد تطورات على الارض فيما يخص تبديل ( الوجوه والاسماء والاجراءات والسياسات ) تحت وابل من القصف الحي بالذخيرة الدبلوماسية فقط.
theeb100@yahoo.com