لم تكن إسرائيل يوماً دولة طبيعية، بل مشروع قائم على العدوان والدم، يمد جذوره في المذبحة ويغذي وجوده بالكراهية. اليوم، ونحن نشهد على ما تقوم به، يتضح أن شراستها ليست مجرد قوة عسكرية، بل لعنة متجددة تضرب كل ما حولها وتحوّل المنطقة إلى جرح دائم. لم تكتف بتمزيق فلسطين وتشريد أهلها لعقود، بل باتت تتعامل مع كل محيطها وكأنه ساحة مفتوحة للبطش، فلا قانون يردعها ولا ميثاق يحكمها، وحدها لغة النار والحديد هي منطقها الوحيد.
في الأيام الأخيرة، أخذت شراستها بُعداً أكثر خطورة حين امتدت نيرانها اليوم لتطال قطر، الدولة التي حاولت أن تبقى لاعباً سياسياً وإنسانياً في قلب العاصفة، فوجدت نفسها هدفاً للتحريض والتهديد، فقط لأنها لم تخضع لإملاءات المحتل ولم تدخل في جوقة التطبيع المذل. إن ضرب قطر، بالمعنى السياسي والعسكري والإعلامي، ليس إلا حلقة جديدة من مسلسل الاستقواء الأعمى، حيث تحاول إسرائيل أن تُرهب الجميع كي تبقى وحدها صاحبة الصوت الأعلى.
هذه الشراسة الملعونة لا يمكن فصلها عن تاريخٍ طويل من الغدر، ولا عن حاضرٍ تتعالى فيه أصوات اليمين المتطرف الذي يتعطش للدم بلا حدود، ويقوده رئيس حكومة غارق في هوس القوة، لا يرى في سفك الأرواح سوى وسيلة لإطالة بقائه في الحكم وإرضاء جمهوره المتعصب. إنهم يلهثون وراء الدم وكأنهم يستمدون شرعيتهم منه، يطلبون المزيد من الجثث والمزيد من الدمار، وكلما ازدادت الدماء في الشوارع، ازدادت حدة شعاراتهم وارتفع صراخهم بالتهويد والضم والابتلاع.
إسرائيل اليوم لا تحارب الفلسطينيين وحدهم، بل تحارب كل نفسٍ حر يرفض الانكسار، وكل دولة تجرؤ على أن تقول "لا". إن ما نراه ليس مجرد عنف عابر، بل سياسة ممنهجة لفرض منطق القوة على حساب الحق والعدالة. غير أن هذه الشراسة مهما تعاظمت ستبقى مكشوفة أمام العالم، فهي لا تحمل مشروعاً سوى مشروع الخراب. وإن كانت تملك القدرة على التدمير، فهي لا تملك القدرة على بناء شرعية أو صناعة مستقبل، فالمستقبل لا يُصنع على جماجم الأبرياء ولا على ترويع الشعوب. ستظل إسرائيل قوة غاشمة مطاردة باللعنات، وكلما توسعت في عدوانها زاد انكشاف حقيقتها، حتى تأتي اللحظة التي تنكسر فيها هذه الشراسة الملعونة تحت ثقل عدالة التاريخ.