متسلق جبال يعتذر عن منصب وزير السياحة
عبدالرحيم العرجان
21-09-2025 11:50 AM
بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها نيبال من إسقاط للحكومة لأسباب كثيرة أججتها ثورة الشباب نتيجة لحظر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يعتمد عليها في الترويج للسياحة بالدرجة الأولى، إضافةً إلى ارتفاع نسبة البطالة وغياب الفرص العادلة للعمل، عكفت الحكومة الجديدة على استقطاب أصحاب التجارب والخبرة لتولي مناصب قيادية في البلاد.
وعلى رأس هذه المناصب القيادية؛ وزارة السياحة، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا مؤثرًا في الدخل القومي والناتج الإجمالي، حيث تعتبر نيبال الوجهة الأساسية لعشاق المغامرة والاستكشاف وإثبات الذات ببلوغ القمم في العالم.
ومن القياديين الذين تم ترشيحهم لهذا المنصب ذي الأهمية الاقتصادية الكبرى، والذي يستوجب الخبرة الواسعة والقبول العام نتيجة العمل والإنتاجية الحقيقية الفعلية على أرض الواقع، وقع الخيار على المتسلق العالمي الشهير “نمسداي بورجا”، إلا أن الأخير اعتذر عن تولي المنصب، مباركًا لمن تم اعتماده وهو “مينغما شيربا”، مزكيًا إيّاه لمعرفته الشخصية به، وذلك حسب ما نشر على صفحته الرسمية على الفيسبوك.
ومن الجدير بالذكر أن بورجا حقق الكثير لبلاده ولهذا النشاط الجامع بين الرياضة والسياحة والاستكشاف والمغامرة في مختلف المجالات والأصعدة، فهو لا يقدّم خدمة تسلّق الجبال وبلوغ القمم فحسب، بل المسير والترحال لأيام طويلة، والقفز المظلي عن المنحدرات، والتجوال بالطائرات العمودية، والتزلج، وبيع المستلزمات وتأجيرها، وإصدار المطبوعات من كتب وخرائط وغيرها.
وهذا الخيار لم يأتِ من فراغ في هذا الوقت الحساس، بل بُني على الثقة والسمعة المحلية والدولية التي يتحلى بها في عالم السياحة، خصوصًا أن الأحداث قد عصفت بموسم سياحة الخريف، الذي يُعد الموسم الأهم لزيارة الجبال وتنفس الطبيعة حين تسكن الريح وتهدأ العواصف. فهو الرجل الذائع الصيت في الإعلام والتجربة، ومصدر لإعادة الثقة للزوار وإنقاذ الموسم والتوسع في المستقبل، خصوصًا أنه تم الإعلان مؤخرًا عن فتح 92 مسارًا جديدًا معفاة من الرسوم الحكومية للمحميات والمواقع، مع رفع قيمة إذن السماح لجبل إيفيرست إلى خمسة عشر دولارًا، وقد تناولنا ذلك في مقال سابق بالتفصيل.
الاستدامة والتشغيل:
استطاع، من خلال شركته ذائعة الصيت في جميع أنحاء العالم، أن ينال ثقة مستهدفيه بجودة التنظيم والإنجاز المتوافق مع البرامج المتعاقد عليها مع عملائه، والتي تحتاج لتوفير قادة مهام ومسارات وحمالين وطهاة وسائقين ومعدين، ناهيك عن الإداريين في مكاتبه الذين عمل على صقل مهاراتهم بالتدريب ورفع الكفاءة إلى درجة لا خطأ معها، فهم الذراع الأساسي لنجاح الرحلات. بالإضافة إلى تشغيل العديد من دور الاستضافة والمخيمات ومقدمي الخدمة والتزويد على الطريق، وإعداد تعاقدات تأمين الإصابة والإخلاء، وهذا الأمر أخذ بالتنامي يومًا بعد يوم، وهو عنصر أساسي لكسب الولاء والإخلاص بالعمل.
الثقة العالمية:
ولم تكتفِ شركته بتنظيم الرحلات في بلاده، بل أخذت بالتوسع باحترافية وإعداد الرحلات للقطب المتجمد الشمالي وقمة كلمنجارو الأعلى في إفريقيا السمراء وغيرها الكثير. وقد بُنيت هذه الثقة الدولية انطلاقًا من تجربة العملاء الفعلية في جبال الهملايا بالدرجة الأولى، تحت شعار “التجربة خير تسويق وترويج”، ففي عالم السياحة يعتمد ذلك بشكل كبير. إذ حقق أهداف المتعاملين معه بالشكل المميز واكتسب تقييمهم إلى درجة الكمال، فإن لم تصل إلى هذه الدرجة من الخدمة فسوف تخسر من قيمة الشهرة مقابل الربح.
كما عزّز ذلك دخوله سجل “غينيس” للأرقام القياسية لعدة مرات، منها تكرار صعوده 50 مرة لقمم تتجاوز ارتفاع 8000 متر، والمعروف بارتفاع “الموت”، ورقم آخر بتكرار الصعود دون التزوّد بالأوكسجين. بالإضافة إلى بطولة فيلم المغامرة الذي أنتجته عنه “نتفليكس” الذائعة الصيت وشاهده الملايين، والذي تناول تحدي بلوغ أعلى 14 قمة في العالم بأسرع وقت، وهو تحدٍّ آخر يُضاف إلى سجل إنجازاته وإنجازات بلاده. ناهيك عن دوره الإنساني الذي تابعه المهتمون عندما أنقذ بنفسه أحد المتسلقين لجبل “كي تو” الأخطر في العالم حين هبّت عاصفة هوجاء، وأصر ألا يعود إلا به حيًّا متناسيًا المستحيل. وهذا يكفي ليكون عنوان ثقة كبيرة بهذا الرمز المهني المغامر.
الإبداع والثقافة:
وهذا السجل الكبير دفع العديد من الشركات العالمية المصنّعة لأدوات وملابس الترحال والمغامرة إلى اعتماد اسمه نموذج جودة لإنتاج منتجات محدودة الإصدارات، تتجدد نماذجها كل عام لمواكبة التطور والتقنية. افتتح لذلك متجره الخاص بالعاصمة كاتماندو، يُباع فيه إلى جانبها تذكارات من قمصان وهدايا تحمل اسمه وتراث بلاده.
وفي مجال الثقافة، لم يغفل عن إصدار كتابه الذي تُرجم إلى عدد من لغات العالم، ويتضمن جزءًا من سيرته الذاتية وتجربة صعود الجبال، صيغ بأسلوب مشوّق يثير الشغف والمثابرة على الإنجاز والاستمرار بتحقيق الذات وحمل رسالة إنسانية. وفي كل موسم تنفد طبعة من مبيعاته.
ثمن النجاح والإنصاف القانوني:
ومع هذه الشهرة والإنجازات التي سُطرت بحروف من ذهب، إلا أنه تعرض في العام الماضي للتشهير والتضليل المغرض عبر نشر أخبار كاذبة وزائفة عن إنجازاته وشركته من خلال إحدى وسائل الإعلام المحلية، إلا أن القضاء النيبالي أنصفه، وردّ له الاعتبار باتخاذ قرار صارم بإدراج هذه الصحيفة المضللة على القائمة السوداء وحرمانها من النشر الممول من الحكومة وإعلانات الرعاية الاجتماعية، وذلك حسب بيان مجلس الصحافة المحلي.
هل من “بورجا” في الأردن؟
في عام 2023 أوكلت إلينا وزيرة الثقافة السابقة هيفاء النجار العمل على إعداد استراتيجية المسارات الثقافية والسياحية في المثلث الذهبي، ومن ضمن جدول العمل وضعنا أن يتم العمل على خلق عدد من المتميزين لهذه الغاية ليصبحوا رموزًا يمثلون الوطن بما حبانا الله به من مكنونات. وذلك بناءً على توصيات وإجماع المشاركين من أصحاب الخبرة والعلم.
ونحن حقًا نريد أن يكون لنا رموز يتم تفريغهم وصقل مهاراتهم ودعمهم معنويًا بالدرجة الأولى لتحفيزهم على تحقيق الأهداف، وماديًا للاستمرار، وإعلاميًا محليًا ودوليًا. ليس بهدف بلوغ القمم فحسب، بل ليكونوا ثيمة تتماشى مع طبيعة بلادنا التي جُبلنا من ترابها؛ أرض المسالك والممالك، وأخفض بقاع العالم، ومهبط الأديان، دون تكسير مجاديفهم بالانتقاد والتقليل من عملهم الوطني.