زيارة ولي العهد إلى واشنطن: جيل جديد من الاشتباك الدبلوماسي
أحمد البواعنة
21-09-2025 09:09 PM
زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لم تكن حدثاً بروتوكولياً عادياً، بل حملت في طياتها إشارات مهمة على مستوى السياسة الخارجية الأردنية، ورسائل واضحة حول الدور المتزايد لولي العهد في الاشتباك المباشر مع ملفات معقدة تمس الأمن والاستقرار في المنطقة.
أهم ما جاء خلال هذه الزيارة هو طبيعة اللقاءات التي أجراها سمو ولي العهد؛ من اجتماعات مع أعضاء الكونغرس الأمريكي، إلى حوارات مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية والمساعدات، وصولاً إلى لقاء رفيع المستوى مع نائب الرئيس الأمريكي. هذه الدائرة الواسعة من الاشتباكات تعكس انفتاحاً على مختلف مؤسسات القرار في الولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى أن الأردن يريد تثبيت حضوره في قلب النقاشات الأمريكية المتعلقة بالمنطقة.
البعد السياسي للزيارة كان المحوري والأهم. فحديث سمو ولي العهد عن خطورة الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، والتحذير من تداعياتها على فرص السلام وخطاب التطرف، يضعه في صميم الموقف الأردني التقليدي. لكنه، في الوقت نفسه، يقدم وجهاً شاباً جديداً لهذا الموقف، أكثر قرباً من لغة الجيل السياسي الجديد في العالم. هذه إضافة مهمة تجعل صوت الأردن أكثر حضوراً في بيئة سياسية أمريكية تحتاج دوماً إلى خطاب متجدد.
أما البعد الاقتصادي فلم يكن أقل أهمية. فالتأكيد على الشراكة الاقتصادية وعرض خطط التحديث والتنمية يكشف عن رؤية استراتيجية تدرك أن الاقتصاد هو مدخل أساسي لتعزيز العلاقات الثنائية، الأمر الذي يمكن اعتباره الضمانة لاستقرار الأردن الداخلي وقدرته على مواصلة دوره الإقليمي. هنا يمكن استدعاء مفهوم “القوة الناعمة (Soft Power)”، حيث يسعى الأردن إلى بناء نفوذ وتأثير من خلال التنمية والحداثة والشراكات الاقتصادية، وليس فقط عبر الأدوات السياسية أو الأمنية التقليدية.
وعلى المستوى الاستراتيجي الأوسع، فإن إدماج ولي العهد تدريجياً في ملفات السياسة الخارجية، خصوصاً مع الولايات المتحدة، يعكس استعداد الأردن للتعامل مع معادلات “ميزان القوى (Balance of Power)” في المنطقة. فالأردن تاريخياً يلعب دور المُوازِن بين القوى الكبرى والإقليمية، واليوم يظهر أن هذا الدور سيستمر عبر جيل جديد قادر على الجمع بين صلابة الموقف السياسي واستخدام أدوات القوة الناعمة لتوسيع دائرة التأثير.
إن القراءة الأعمق لهذه الزيارة تكشف أنها ليست مجرد مشاركة في محادثات ثنائية، بل هي رسالة بأن الأردن يعيد صياغة أدواته في السياسة الخارجية: توازن دقيق بين ثبات الموقف في قضايا المنطقة وبين الانفتاح على أدوات القوة الناعمة والاقتصادية، بما يضمن استمرار حضوره لاعباً مؤثراً في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وفاعلاً أساسياً في معادلة ميزان القوى الدولي.