facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي كفاعل أخلاقي


إبراهيم غرايبة
25-10-2025 11:45 AM

إن التقدّم المتسارع في الذكاء الاصطناعي لا يثير فقط أسئلة معرفية حول الوعي والفكر، بل يطرح أيضًا قضايا أخلاقية عميقة تتعلق بالمسؤولية والقرار والعدالة. ففي عالمٍ باتت فيه الأنظمة الذكية تتخذ قراراتٍ تمسّ حياة البشر كقيادة السيارات، وتشخيص الأمراض، وتحديد من يُمنح قرضًا أو وظيفة تظهر الحاجة الملحّة إلى إطار أخلاقي جديد يستطيع التعامل مع هذه الكيانات بوصفها فاعلين مؤثرين في المجال الإنساني.

لنفترض أن سيارة ذاتية القيادة تسببت في حادثٍ قاتل. من المسؤول أخلاقيًا وقانونيًا؟ هل هو المبرمج الذي كتب الشيفرة؟ أم الشركة المصنعة التي سمحت باستخدام النظام؟ أم الذكاء الاصطناعي نفسه الذي اتخذ القرار في لحظة الحادث؟ حتى الآن، لا توجد إجابة واحدة تُرضي الجميع. لكن هذه الأسئلة لا يمكن تجاهلها،

لأننا نقترب بسرعة من مرحلة لا يعود فيها الإنسان متحكمًا في كل قرار تفصيلي. تفتح هذه الحالة ما يُعرف بـ إشكالية المسؤولية المفروضة، أي الحالات التي يتخذ فيها النظام قرارًا نيابةً عن الإنسان، لكننا مع ذلك نحتاج إلى تحديد من يتحمّل تبعاته الأخلاقية والقانونية.

في محاولة للتعامل مع هذه الإشكالية، ظهرت مشاريع بحثية تسعى إلى برمجة الأخلاق نفسها داخل الآلة. من أبرز هذه المشاريع مشروع MIT المعروف باسم “آلة الأخلاق”، الذي طرح سيناريوهات مختلفة للسيارات ذاتية القيادة مثل الاختيار بين دهس راكبٍ مسنّ أو طفلٍ صغير، وطلب من الناس حول العالم تحديد القرار «الأكثر أخلاقية». وقد كُشف من خلال ملايين الإجابات أن القيم الأخلاقية تختلف جذريًا باختلاف الثقافات، وأن برمجة «أخلاق عالمية» في الذكاء الاصطناعي ليست مسألة تقنية فحسب، بل فلسفية وثقافية أيضًا. هنا يبرز سؤال جديد: هل يمكن حقًا ترميز الأخلاق في صورة خوارزميات؟ أم أن الأخلاق تتطلب دائمًا وعيًا بشريًا وسياقًا إنسانيًا حيًا لا يمكن نمذجته حسابيًا؟

يذهب بعض الفلاسفة، مثل ديفيد غونزاليز (David Gunkel)، إلى أن الوقت قد حان للاعتراف بالذكاء الاصطناعي كـ فاعل أخلاقي (Moral Agent) في حد ذاته، يُعامل وفق مبدأ المسؤولية التشاركية (Shared Responsibility). فطالما أن هذه الأنظمة قادرة على التعلم واتخاذ القرارات باستقلال نسبي، فإن تحميل الإنسان وحده كامل المسؤولية قد لا يعكس الواقع الفعلي لتوزيع الفعل الأخلاقي.

لكن هذه الرؤية تواجه اعتراضًا واسعًا: كيف يمكن اعتبار كيانٍ يفتقر إلى الوعي والإرادة الذاتية فاعلًا أخلاقيًا مسؤولًا عن أفعاله؟ ألا يكون ذلك تشبيهًا مجازيًا مفرطًا أكثر منه توصيفًا دقيقًا؟ يردّ مؤيدو الموقف بأن مفهوم الفاعلية الأخلاقية لا يجب أن يُختزل إلى الوعي الذاتي فقط، بل يمكن توسيعه ليشمل القدرة على الفعل داخل نظام من القواعد والتبعات. فالآلة التي تُحدث تغييرًا حقيقيًا في العالم من خلال قراراتٍ مستقلة إلى حدٍّ ما تستحق على الأقل وضعًا شبه أخلاقي، يشبه وضع الكيانات القانونية كالمنظمات والشركات.

تواجه الأخلاق في عصر الذكاء الاصطناعي تحديًا آخر أكثر خفاءً:؛ هو انحياز الخوارزميات، فأنظمة التعلّم الآلي تتعلّم من البيانات البشرية، والبيانات البشرية مليئة بالتحيّزات التاريخية والاجتماعية. نتيجةً لذلك، قد تعيد الأنظمة إنتاج هذه التحيزات بطريقة آلية وغير واعية.

على سبيل المثال، كشفت دراسات أن بعض خوارزميات التوظيف والتصنيف الجنائي تُعامل الأقليات العرقية أو النساء بتمييزٍ غير مباشر، لأنها استخلصت الأنماط من بياناتٍ غير متوازنة. هذه الظواهر لا تمثل مجرد أخطاء تقنية، بل قضايا عدالة اجتماعية وأخلاقية في جوهرها. فهي تطرح سؤالًا فلسفيًا كلاسيكيًا بصيغة جديدة: هل يمكن للآلة أن تكون عادلة؟ وما معنى العدالة عندما تُنفَّذ عبر الخوارزميات؟

في ضوء هذه التحديات، بدأت الحكومات والمنظمات الدولية تضع أطرًا تنظيمية وأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. من ذلك مثلًا: مبادئ الاتحاد الأوروبي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي (2019)، التي تشدد على الشفافية، والمساءلة، واحترام الكرامة الإنسانية. ومبادرة معهد IEEE “التصميم الأخلاقي للأنظمة الذكية” (Ethically Aligned Design)، التي تسعى إلى تحديد معايير عالمية للسلوك الأخلاقي في الأنظمة الذكية إلا أن هذه الجهود ما تزال في بدايتها، وغالبًا ما تظل طوعية أو غير ملزمة قانونيًا. ومن ثمّ، فإن التحدي الأكبر هو تحويل المبادئ الأخلاقية إلى ممارسات عملية ضمن الصناعة والمؤسسات والسياسات العامة.

يؤكد كونيتزر أن الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء النقاشات الأخلاقية الكلاسيكية، ولكن في شكلٍ جديد تمامًا. فالقضايا التي كانت يومًا موضوعًا للتجريد الفلسفي مثل الإرادة، والنية، والعقل العملي، والعدالة تحولت اليوم إلى مسائل تصميم وبرمجة وخوارزميات. يقول كونيتزر: "لعل الفلسفة لم تكن يومًا أكثر صلةً بالعلم التطبيقي مما هي عليه اليوم. فحين نعلّم الآلات كيف تتصرف، فإننا نعيد برمجة مفاهيمنا ذاتها عن الصواب والخطأ." وهكذا، فإن الفلسفة والأخلاق في عصر الذكاء الاصطناعي ليستا رفاهية فكرية أو نقاشًا ميتافيزيقيًا مجردًا، بل شرطًا لازمًا لاستمرار الإنسانية في عالمٍ تشاركه مع الآلات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :