facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ويقلق الملك


سامح المحاريق
27-10-2025 12:07 AM

لخطاب العرش أهميته في ظل التقاليد الأردنية بما يحمله من مكانة رمزية عميقة حيث تلتئم فيه العلاقة الدستورية بين الملك والمجلس النيابي بوصفه ممثلًا عن الأردنيين، ومن هذه العلاقة يقوم محتوى الخطاب على التوجيه والإرشاد وفي حالات معينة المكاشفة الوطنية ضمن حدود تطلبتها دائمًا التقاليد السائدة والمكرسة، وفي التاريخ الأردني كان الخطاب الملكي يتخذ صفة أبوية، وكنت تحدثت في لقاء تلفزيوني قبل أسابيع أن المغفور له الملك الحسين كثيرًا ما كان يمثل الأب الذي يتدبر أمورًا واحتياجات كثيرة من غير أن يشعر أبناءه بشيء، وأن هذه النقطة أسهمت في تشكيل كثير من التصورات السياسية والاجتماعية في الأردن.

وبشكل عام، ترجمت الحكومات المتتابعة هذا النهج، بل وتحدث بعض الرؤساء السابقين عن ضرورة تجنب إثارة القلق والتوتر في الشارع الأردني، ففي الأردن، وضمن التقاليد الاجتماعية لم يحدث وأن خرج أي رئيس حكومة أو مسؤول كبير ليتحدث عن أزمة معينة أو يطلب من الأردنيين أن يتخذوا اجراءات تعسفية تلامس أساسيات الحياة، وفي أزمة الكورونا مثلًا، لم يشعر الأردنيين بالقلق على مخزون المواد الغذائية في وقت كانوا يتابعون فيه تهافت الناس في دول متقدمة على أرفف محلات السوبرماركت، وفي الأردن أيضًا، تتواصل الكهرباء على مدار الساعة في وقت تضرب أزمات الكهرباء دول عربية كبيرة الإمكانيات، مع أن الأردن هي الدولة التي تعاني من شح موارد الطاقة.

لماذا يخرج الملك اليوم ليقول بأنه يقلق، وهو في الحقيقة يجيب عن سؤال يتداوله الأردنيون، النخب السياسية والمواطنون العاديون، فحالة القلق أصبحت عمومية وممتدة، والملك يقول أمام الجميع أنه يشاركهم القلق، ولكنه ليس خائفًا ولا يخاف سوى من الله، وهذه نقلة جوهرية في طبيعة العلاقة بين مؤسسة العرش والشعب الأردني.

يعيش الأردن اليوم في مرحلة صعبة لنقل أنها التهمت دولًا كبيرة في إمكانياتها داخل المنظومة العربية، فأين اليمن الذي نعرفه اليوم؟ وأين السودان وليبيا وحتى العراق وسوريا ولبنان؟ أليست جميعها دول شقيقة تعاني من أزمات كبيرة وأخذت تواجه أسئلة ذات طبيعة وجودية، وألم يبدأ ذلك كله من الانفصام بين النخب والمواطنين، ومن صراعات حملت عناوين الأيديولوجيا ولم تكن في جوهرها إلا تنازعًا على السلطة ومكاسبها.

يقف الأردن اليوم كنموذج يستحق الدراسة والتأمل، وتصمد معادلته القائمة على الاقتراب والتواصل والتفاهم والتسامح هي أمام العواصف الكبرى التي توالت في منطقة يمكن أن تعتبر قلب الأزمات كما وصفها الملك، أزمات داخلية وأخرى تأتي من بعيد مندفعة ومتفاقمة نتيجة الصراع والتزاحم بين الدول الكبرى والطامحة في المنطقة.

يقلق الملك لأن الموجة عاتية، وتنطوي كثير من السياسات المتآمرة على المنطقة على إفشال نماذج الدولة في المنطقة العربية، وهنا لا نتحدث عن نظرية المؤامرة، ولكن عن مقترحات ومشاريع تطرح وتطلق حولها بالونات الاختبار المختلفة، وهذا النهج الذي مارسته إسرائيل طويلًا ومنذ الستينيات يتمدد اليوم مع انفلات الشائعات والحوارات الجانبية وتسخين الحوارات وتفخيخ النقاشات، فيومًا ما تحدثت جولدا مائير عن الخدمات الصحية في اليمن التي جعلت اليهود المهاجرين يعانون من أمراض مزمنة، ومرة أخرى أخذت تتلاعب على القيم الأخلاقية العربية فتتحدث عن قتل الأطفال لأن طفلًا أو آخر ذهب ضحيةً في اشتباك للمقاومة، مع أنها كانت تجلس بين من بقروا بطون الأمهات الحوامل في كثير من القرى الفلسطينية وتتخذ معهم القرارات، ذلك عدا الأحاديث عن واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة والريادة والتقنية في مقابل العرب الذين يحاولون تصويرهم وكأنهم ما زالوا يتنقلون على الإبل ويعيشون في الخيام.

لم يكن الأردن في أي يوم قريبًا من الفشل، وفي مناسبات كثيرة تحركت أجهزته المختلفة كلٌ في مجال اختصاصه بكفاءة واقتدار، ولكن ما يحدث اليوم هو أن الأردن لا يواجه عدوًا محددًا أو خصمًا له وجه وملامح وعنوان، فهذه أمور يمكن دراستها والوقوف على موقعنا منها وموقعها منا، واحتساب التكلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهتها.

ما يواجهه الأردن اليوم هو محاولة للإفشال، للتوهين وللضرب في منعته ومناعته، والكلمتان على التشابه في حروفهما وأصلهما لكلٍ منهما معنى يختلف في هذا السياق، فأما المنعة فهي ملموسة ماديًا ويمكن ملاحظتها في حضور الدولة وأجهزتها وفي حالات التوتر والخطر يصبح الجيش العربي عنوانها الواضح، أما المناعة فهي مسألة تفتح الطريق للتسلل، فكثيرون ممن يشتبكون مع الشأن العام يطرحون أفكارًا ويتخذون مواقفًا حسنة النية ومخلصة للوطن، ولكنها ليست منتجةً وفي أفضل الأوقات تؤسس لحالة من التشتت وتغيب الأولويات.

يضع الملك البيئة السياسية في الأردن أمام مسؤولياتها بصراحة، ويدعو لاستكمال التحديث السياسي، وعدم استغلال بعض الملاحظات أو محطات الإخفاق لتأتي الإجابة بأن الأردنيين مؤهلين لأن ينتجوا جيلًا جديدًا ممن يمثلونهم ويحملون صوتهم ليحددوا الأولويات.

أتى الخطاب الملكي ليشرعن القلق في هذه المرحلة، ويضعه في إطار المصارحة والمكاشفة، فالأردن لا يواجه حدثًا تقليديًا والعالم اليوم غير الذي نعرفه في مراحل سابقة، عالمٌ يترنح وجوديًا وتتزاحم أمامه الأزمات، والقيادة العالمية مأزومة بصورة جوهرية وعميقة، وبين دول تحافظ على التقاليد وعلى وجودها ومسؤولياتها، ودول أخرى اختزلت العلاقة مع الجموع في الجانب الخدمي بحيث أصبحت تناقش ما بعد الدولة، يأتي الأردن ليعلن تمسكه بإنسانية نموذجه وطموحاته وفاعليته في وسط منطقة التهمتها حالة التدافع الاجتماعي نتيجة عدم وجود البنية التعاقدية الضمنية التي تؤسس للدولة وحالتها.

كان الملك في الأردن من عبد الله الأول إلى عبد الله الثاني المرجعية التي ينتهي عندها ويؤول لها التدافع الاجتماعي، ولكن مع شيوع التدافع وعموميته في بيئة غير موثوقة من تداول المعلومات وأنصاف المعلومات والشائعات، تحضر ضرورة البيئة السياسية التي تستطيع أن تحتضن التدافع الاجتماعي لتحوله إلى فعل سياسي.

ينهي الملك في هذه المرحلة أيضًا جدلًا حول أولويات التنمية، لأنه يدرك أن كثيرًا من وضعية التأزم التي لا تصل إلى حالة الأزمة، يبدأ من أسباب اقتصادية، فتأتي قطاعات التعليم والصحة والنقل في المقدمة، أي ما يمس الحياة اليومية للمواطنين، وقطاع النقل الذي يرفعه الملك إلى مرتبة متقدمة بجانب الصحة والتعليم هو إشارة للخروج من إشكالية تركز التنمية في بعض المناطق الحضرية لتصبح تنمية أكثر شمولية وتعبيرًا عن الأردنيين جميعًا في مجتمعاتها المحلية، وهو ما يتكامل مع الجانب السياسي واستراتيجيات الإدارة العامة.

يعلن الملك مشروعية القلق ولكنه يضع سياجًا عاليًا في مواجهة الخوف، وحالة القلق في جانب منها مبدعة، والمطلوب أن تصل الرسالة إلى مجلس الأمة وإلى الأردنيين، فهذه دعوة للمشاركة الأوسع والأكثر فعالية، بحيث يتحول القلق إلى جدل بناء ومشاركة مسؤولة تقوم على حرص كل فرد وفاعل من موقعه وضمن دوره، أما الخوف، فدونه تقاليدنا وخبراتنا ومؤسساتنا وأحلامنا المشروعة وطموحاتنا التي ليست بعيدةً لأننا نقف على أرضية من الإنجاز والصمود حتى في أحلك الأوقات وأكثرها صعوبةً وتعقيدًا.

"الرأي"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :