أثر عمل مدقق الحسابات في مكافحة التهرب الضريبي
رضوان احمد المطالقة
06-11-2025 01:04 PM
تشهد المملكة الأردنية الهاشمية في السنوات الأخيرة تحسناً ملموساً في بيئة الأعمال، مدفوعاً بإصلاحات اقتصادية وتشريعية متتابعة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي. فبحسب ما أعلنه عطوفة مراقب عام الشركات الدكتور وائل العرموطي، بلغ عدد الشركات الجديدة المسجلة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية آب قرابة 4956 شركة، أي بزيادة تقارب 19% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، مقابل انخفاض ملحوظ في عدد الشركات المشطوبة بنسبة 77%. وهذه الأرقام تعكس من جهة تحسّن الثقة بالاقتصاد الأردني، ومن جهة أخرى تطور الإجراءات الحكومية خاصة في التحول الرقمي وتسهيل تأسيس الأعمال، وهو ما ينسجم مع التوجهات الملكية الأخيرة التي شدد فيها جلالة الملك عبدالله الثاني على ضرورة المضي في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي ضمن برامج واضحة تٌعزز الاستثمار وتدعم النمو المستدام.
لكن هذا التوسع في تأسيس الشركات يفرض في المقابل مسؤولية أعمق في متابعة التزام هذه الشركات بالتشريعات الضريبية والقوانين المالية. وهنا تحديدا يبرز الدور الجوهري لمدقق الحسابات (المحاسب القانوني)، الذي لا يقتصر عمله على إبداء الرأي حول عدالة البيانات المالية، بل يمتد الى تقييم الالتزام بالأنظمة الضريبية والتشريعات ذات الصلة. فمن خلال اجراءات التدقيق والمعايير الدولية المتبعة، يمكن الكشف عن أي ممارسات تلاعب أو محاولات تهرب ضريبي، مما يجعل تقرير المدقق أداة رقابة وحماية للنظام المالي وثقة للمستثمرين معاً.
ومع ذلك، يبقى تأثير هذا الدور محدودا ما دامت البيانات المالية المدققة غير مُجمعة في منصة وطنية موحدة تتيح للجهات الرقابية والضريبية والبنوك وغيرها من أصحاب العلاقة الوصول الى المعلومات بسهولة وسرعة. فتعدد الجهات وتشتت البيانات يُضعف قدرة الدولة والمستثمرين واصحاب العلاقة على رصد المخالفات او التحقق من مصداقية البيانات في الوقت المناسب.
إن إنشاء منصة وطنية للبيانات المالية المدققة والمعتمدة من مدققي الحسابات (المحاسبين القانونيين)، تربط مدققي الحسابات مع الجهات الرسمية والبنوك، لم يعد مقترحا تقنيا او خيارا جانبياً، بل ضرورة لإغلاق الفجوات التي ينفذ منها التهرب الضريبي، ولتعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص بين الشركات. وهذا يتسق بشكل كامل مع رؤية التحديث الاقتصادي التي وضعت التحول الرقمي كركيزة اساسية في تطوير الاقتصاد الوطني.
فتمكين مدقق الحسابات من أداء دوره ضمن مرجعية رقمية موحدة ومعتمدة هو تمكين للدولة نفسها من حماية المال العام، وهو ضمان لبيئة تنافسية عادلة، وهو إعادة بناء الثقة بين الدولة والمستثمر والمجتمع.
في النهاية، لا يتعلق الأمر بالأدوات التقنية فقط، ولا بتحديث الإجراءات الإدارية فحسب، بل ببناء يقين عام بأن النظام المالي عادل وشفاف وخاضع للرقابة. فالدولة التي تضع الجميع أمام القاعدة نفسها، وتمنح مدقق الحسابات (المحاسب القانوني) مساحة للعمل وفق منهج ومعايير واضحة، هي دولة تحمي اقتصادها قبل أن تحمي إيراداتها.
فكل إصلاح اقتصادي يبدأ من نقطة واحدة: أن يعرف الجميع أن القاعدة هي نفسها للجميع.