في خطوةٍ مباركة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية وسياحية في آنٍ واحد، جاءت دعوة معالي وزير السياحة والآثار الدكتور عماد حجازين لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة لزيارة المملكة، لتؤكد المكانة المتقدمة التي يسعى الأردن لاستعادتها على خريطة السياحة العالمية. هذه الدعوة ليست مجرد مبادرة دبلوماسية، بل هي رسالة انفتاح وثقة، تُبرز دور الأردن كبلدٍ آمنٍ ومستقرٍ ومضياف، يمتلك كل المقومات ليكون وجهةً عالمية للسياحة الثقافية والدينية والعلاجية والبيئية.

ولعل هذه الخطوة تأتي منسجمة مع الرؤية الملكية السامية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله، الذي جعل من الدبلوماسية الأردنية أداة فاعلة لتكريس حضور المملكة على الساحة الدولية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وحضاريًا وسياحيًا في آن واحد.

فزيارات جلالته الأخيرة إلى دول شرق آسيا وقبلها الى أوروبا وأميركا، شكّلت أوسع حملة ترويجية غير مباشرة للأردن، ليس فقط كدولة استقرار وتوازن، بل كبوصلةٍ يتطلع إليها العالم كنموذج في الحكمة والانفتاح والفرص الواعدة. لقد قدّم جلالته صورة الأردن الحديثة – بلد العراقة والإنسانية والتنوع – وفتح الآفاق أمام علاقات تعاون جديدة تمهّد لانفتاح أوسع في مجالات الاستثمار والسياحة والتبادل الثقافي.

ولا ننسى دور هيئة تنشيط السياحة الأردنية، ممثلة بعطوفة الدكتور عبد الرزاق عربيات الذي غادرنا للتو من موقعة الذي إدارة بكل كفاءة واقتدار وهو في عز والق ونشاطه وتميزه الدائم وخاصة قبل ان يغادر موقعه في الهيئة في المعرض المتنقل بالتزامن مع مشاركة المملكة في "إكسبو اليابان"، حيث قدم الجناح الأردني صورة متكاملة عن الأردن تعكس تاريخه وثقافته ومقوماته السياحية والاستثمارية. حيث أشار الدكتور عربيات بالقول: " نفخر بما يحققه جناح الأردن في إكسبو من حضور لافت وتفاعل إيجابي مع الزواروعزز من مكانة المملكة على الساحة الدولية وفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع السوق الياباني."

ولا ننسى أيضاً في هذا السياق الدور الريادي الذي قام به معالي الدكتور طالب الرفاعي عندما كان أمينًا عامًا لمنظمة السياحة العالمية، وهو الدور الذي عزّز من مكانة الأردن في المحافل الدولية. وقد تشرفتُ، عندما كنتُ سفيرًا في طشقند، باستقباله خلال إحدى زياراته، حيث لمسنا حجم التقدير الذي تحظى به الكفاءات الأردنية في الخارج، وما تمثله من ثقة دولية متجذّرة.

إن استقطاب منظمة السياحة العالمية إلى المملكة يُعد خطوة استراتيجية تتطلب من وزارة السياحة والأجهزة المعنية تكثيف الجهود لتقديم نموذج أردني متكامل في الإدارة والتخطيط السياحي، يقوم على المحاور التالية:

 تطوير البنية التحتية السياحية المتكاملة، وتحسين الخدمات في المواقع الأثرية والطبيعية، وتوسيع الربط الجوي مع العواصم العالمية.

 التسويق الذكي والترويج الدولي، بناء حملات عالمية تُبرز تنوع الأردن الثقافي والديني والجغرافي، بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص.

 الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تحفيز هذه الشراكة يشكل مفتاح النجاح في تطوير صناعة السياحة وجذب الاستثمارات.

 إعداد الكوادر البشرية المؤهلة، رفع كفاءة العاملين في القطاع لتقديم خدمات بمعايير عالمية تعكس الوجه المشرق للأردن.

 الحفاظ على الهوية الثقافية والبيئية، تحقيق التوازن بين التنمية السياحية وصون الإرث التاريخي والبيئي الفريد الذي تزخر به المملكة.

لقد أثبتت التجارب أن السياحة ليست ترفًا اقتصاديًا بل رافعة وطنية تخلق فرص عمل، وتنشط الاقتصاد، وتعزز التواصل بين الشعوب. واليوم، ومع الدعوة الموجهة لمنظمة السياحة العالمية لزيارة الأردن، تفتح المملكة صفحة جديدة تؤكد من خلالها أن الأردن بقيادته الهاشمية الرشيدة سيظل البوصلة التي يتطلع إليها العالم – بلد الأمن والاعتدال، ومركز الإشعاع الحضاري والسياحي في المنطقة.

و من خلال خدمتي الطويلة في السلك الدبلوماسي كسفير و دبلوماسي في عدة دول، يشاركني كافة افراد عائلتي و خاصة فرح و فارس و رعد و محمد راشد، و هذا موثق لدى وزارة الخارجية ووزارة السياحة و هيئة تنشيط السياحة، ووسائل الصحافة و الاعلام، تعلمت أن بناء الصورة الوطنية في الخارج لا يتحقق بالشعارات، بل بالفعل الميداني والتواصل الإنساني المستمر. فالصبر، والحكمة، والقدرة على الإقناع، هي مفاتيح النجاح في تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، ومنها جعل الأردن قبلةً سياحيةً عالمية.

ومن هنا، فإن النصيحة التي أوجهها – من قلب التجربة – هي أن نستثمر هذه اللحظة، وأن نوظف ما نملك من إرثٍ وتاريخٍ وسمعةٍ راقية، لنعزز موقع الأردن في الخارطة السياحية الدولية، بالعقل الهادئ، والرؤية الواضحة، والإيمان العميق برسالة الوطن وقيادته.

مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

muwaffaq@ajlouni.me