قراءات في قرار مجلس الامن لارساء السلام بغزة
د. عماد الحمادين
19-11-2025 12:27 PM
* تجريد الفصائل من اسلحتها ومسار التسوية
اصدر مجلس الامن الدولي قرارا ينص على انشاء قوة استقرار دوليه في غزة استكمالا لخطة السلام التي وقعت عليها الاطراف تحت الرعاية الامريكيه في القاهره. واوكلت اليها عدد من المهام ومن ضمنها اعادة الامن وحماية المدنيين وتسهيل اعادة البناء ونزع اسلحة الفصائل في غزة.
هذه المهام يمكن تقسيمها الى مهام قابله للتنفيذ ومتفق عليها دوليا ولدى الامم المتحده الخبرة الكافيه للقيام بها كاعادة الامن وحماية المدنيين وتنظيم عمليات اعادة البناء. وهناك مهام شديدة التعقيد قد لا تكون الامم المتحده لديها القدرة على القيام بها وغير متوافق عليها من جهة الفصائل المسلحه الفلسطينيه ومنها نزع الاسلحة ووضع قطاع غزة تحت الوصايه الدوليه وهذه المهام الصعبه التي يتوقع من قوة الاستقرار ان تعمل عليها.
انعكاسات القرار على الأطراف المختلفة
اسرائيل: تحقيق الهدف دون تكلفه مباشرة
القرار يتطابق بشكل كبيرمع ماتبحث عنه اسرائيل في غزة وفشلت بالحصول عليه بالقوة مثل نزع اسلحة الفصائل وتدمير البنيه التحتيه الحربيه كالانفاق وورش صناعة السلاح وضمان ان لاتعود هذه المصانع للعمل مرة اخرى وان لا تشكل غزة اي مصدر تهديد مستقبلي لاسرائييل. الاهم ان القرار لم يشترط الانسحاب الاسرائيلي من غزة الا بعد نزع اسلحة الفصائل وهذا دليل على عدم الثقه بهذه القوة وان فشل هذه المهمه _حتى لو نجحت القوة في باقي المهام _يجعل العودة للحرب امرممكنا. اسرائيل قد تنسحب بشكل جزئي اذا اقتنعت ان القوة الدوليه تقوم بعملها بشكل جيد مع بقائها مسيطره امنبا على شريط حدودي كما نص القرارولكن ماهوتعريف العمل الجيد بالنسبه لاسرائيل؟ . من حسنات القرار لاسرائيل ايضا انه يحعل قوة الاستقرار الدوليه تعمل بشكل غير مباشرتحت اشراف القوات الاسرائيليه واجهزتها الاستخباريه.
بالرغم من ان القرار يميل بشكل كامل لصالح اسرائيل الا ان الجمله الاخيرة الخاصه باقامة مسارسياسي يفضي لقيام دوله فلسطينيه يمكن ان يؤدي الى دوله فلسطينيه اوجد خلافا حادا داخل مجلس الوزراء الاسرائيلي واستشاط رئيس الوزراء الاسرائيلي غضبا وهدد بانه سيمنع اي شكل من اشكال قيام الدوله الفلسطينيه. هذا يعني ان هذه الفقره صيغت بهدف ارضاء ولو بشكل نظري اطرافا عربيه وروسيا والصين خوفا من معارضة القرار وتركت مبهمه ايضا بشكل متعمد كرسالة يمكن ان يستخدمها نتنياهو مع الوزراء المتطرفيين في حكومته مما يسمح للحكوم الاسرائيليه بتفادي اي التزام حقيقي بمسار سياسي جاد.
الفلسطينيون: تجريد من الحقوق والادارة
القرار يجرد الفلسطينين جميعا سواءا السلطه في رام الله او حماس والفصائل من اي حق في ادارة غزة او اعادة الاعمار وهي مطالب اسرائيليه سابقه هدفها تجريد السلطه الفلسطينيه من اي حق يمكن ان تستخدمه مستقبلا كاساس للدوله الفلسطينيه. القرار يتحدث بشكل خجول على ان المسار هذا يمكن ان يؤدي الى محادثات تفضي الى اقامة دوله فلسطينيه حيث نص القرار على أن «الظروف قد تتهيأ في نهاية المطاف لمسار جاد نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة» بمجرد أن تنفذ السلطة الفلسطينية برنامجاً إصلاحياً، ويشهد ملف إعادة تنمية غزة تقدماً. بل ان تشكيل مجلس وصايه بدون دور واضح للفلسطينيين قد يشكل سابقه خطيره لانه قد يعني ان الفلسطينيين ايضا في رام الله والضفه الغربيه غير مؤهلين لادارة انفسهم وبالتالي يمكن ان يتكرر السيناريو في الضفه لاحقا.
الاشكاليه المركزيه: كيف سيتم تجريد الفصائل من اسلحتها؟
AP News ذكرت :ان السؤال المهم كيف سيتم تجريد الفصائل من الاسلحه وان القرار يجرد القوة من حياديتها ويضعها في مكان الجيش الاسرائيلي". قوات الامم المتحده عادة تكون قوات فصل بين الاطراف المتنازعه واذا كان هناك جمع للسلاح يكون من كلا الطرفين لكن في حالة اسرائيل فالوضع سابقه للامم المتحده مختلف عما سبق. الفصائل المسلحه اعلنت رفضها للقرار وهو امر متوقع نظرا لما مر به الفلسطينيون من تجارب سابقه مع اسرائيل. فالفصائل بدون سلاح يعني حركة سياسيه كحركة فتح او الجبهه الشعبيه.
في حال تطبيق القرار على الارض فان الفصائل قد تلتزم بعدم الظهور بمظاهر مسلحه في القطاع ولكن اذا قامت قوة الاستقرار بالبحث عن الانفاق ومخابيء الاسلحه والتحقيق مع المشتبه بهم كعناصرا لحماس فستحدث مواجهات قتاليه كما يقول وليد عبدالحي ولم يتضح بعد موقف الدول التي ستشارك في هذه القوة هل تقبل بان تكون قواتها تعمل على نزع السلاح بالقوة ام لا؟ القرارايضا يضع الفصائل في موقف حرج فالدول العربيه سواءا الوسيط منها وغير الوسيط ساندت القرار وعملت على تحسن كثير من جوانب الضعف التي كانت تعتري القرار كما يقول Edith M. Lederer وان رفض الفصائل نزع سلاحها يضعها في مكان المتهم ويجعل مساندتها مرة اخرى امرا بالغ الاهميه للاطراف العربيه.
الضفه الغربيه: الغياب المتعمد
القرار ايضا لم يذكر شيئا عن الضفه الغربيه ولا عمليات الضم الحاصله على الارض كل يوم ولا حديث عن اعتداءات المستوطنيين المستمره والمتزايده فالحديث عن اقامة دوله دون الحديث عن الضفه الغربيه يوحي بان هذه النقطه اضيفت ارضاءا لاطراف معينه وليس لها اي معنى على الارض. هذا الغياب ينفي مصداقية أي حديث عن "مسار جاد" لدولة فلسطينية لأن دولة بدون الضفة الغربية هي كيان مشوه. الإشارة إلى أن هذا المسار "جاد" تضمن أيضاً تلميحاً ضمنياً بأن كل الاتفاقات السابقة أوسلو ووادي عربة، لم تكن كذلك، وهو ما يفتح الباب لإعادة نظر شاملة في عملية السلام برمتها.
خلاصة
قرار مجلس الأمن بشأن غزة، رغم سعيه لإنهاء الحرب، يبدو وكأنه يصيغ حلماً إسرائيلياً على الورق. فهو ينقل العبء الأمني والأخلاقي من الجيش الإسرائيلي إلى قوة دولية، بينما يجمد الحقوق الفلسطينية ويؤجل قضية الدولة إلى مستقبل غير مضمون. نجاح هذا القرار مرهون بقدرة غير مؤكدة على نزع سلاح فصائل لم تهزم، وبإرادة سياسية دولية للحفاظ على ضغط متوازن على جميع الأطراف، في وقت يبدو أن التوازن القائم يميل بشكل حاد لصالح طرف واحد.
* باحث -مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعه الاردنية