الاقتصاد الأردني بين التحديات الهيكلية والرؤية الملكية
آيات محمد الشاذلي
21-11-2025 09:28 AM
إن المشهد الاقتصادي الأردني الراهن يمثل لوحة معقدة تتشابك فيها التحديات الهيكلية العميقة مع طموحات التحديث الجريئة، وهو ما يشكل حديث الشارع الأردني بامتياز، فبينما يترقب المواطن الأثر المباشر لارتفاع كلف المعيشة وتفاقم نسب البطالة، خاصة بين فئة الشباب المتعلم، يدرك المحلل الاقتصادي أن هذه القضايا ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات تاريخية وتحديات جيوسياسية فرضت على المملكة عبئاً يفوق قدرة مواردها المحدودة.
إن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد حلول مستدامة لمشكلات الفقر والبطالة والمديونية العامة التي تضغط على المالية العامة، وتحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق معدلات نمو كافية لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
في خضم هذا المشهد، تبرز رؤية التحديث الاقتصادي 2033 كخارطة طريق وطنية، تمثل إرادة سياسية عليا للتحول من اقتصاد تقليدي يعتمد على الخدمات إلى اقتصاد إنتاجي تنافسي، وقد تجسد هذا التوجه في الإطلاق المرتقب للبرنامج التنفيذي للمرحلة الثانية (2026-2029)، والذي يركز على مشاريع رأسمالية كبرى، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه ومشروع سكك الحديد، وهي مشاريع حيوية لا تعالج فقط تحديات البنية التحتية الملحة كشح المياه، بل تهدف أيضاً إلى تحريك عجلة النمو وخلق فرص عمل مستدامة.
إن هذه الرؤية، التي تتابعها الحكومة بتوجيه مباشر من الديوان الملكي العامر، تؤكد على أن القيادة الهاشمية تضع التنمية الاقتصادية الشاملة في صلب أولوياتها، مدركة أن صون كرامة المواطن الأردني يبدأ بتحقيق الأمن الاقتصادي له ولأسرته.
إن الدور المحوري للقيادة الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمين، يتجاوز حدود التوجيه الداخلي ليصبح قوة دفع دبلوماسية واقتصادية على الساحة الدولية، فالتحركات الملكية المستمرة في عواصم القرار العالمية ليست مجرد جولات سياسية، بل هي جهود حثيثة لتعزيز مكانة الأردن كشريك استثماري موثوق، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعد شريان الحياة لفتح أسواق جديدة للصادرات الوطنية.
هذا النهج الملكي الحكيم يمثل صمام أمان للاقتصاد الوطني في منطقة مضطربة، حيث تترجم الحكمة السياسية إلى مرونة اقتصادية وقدرة على الصمود في وجه الأزمات الإقليمية والدولية، كما إن الإشادة بهذا الدور ليست مجاملة، بل هي قراءة موضوعية لواقع الحال الذي يؤكد أن الاستقرار السياسي تحت مظلة القيادة الهاشمية هو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي إصلاح اقتصادي ناجح.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الرؤى الطموحة يتطلب معالجة جذرية للتحديات الهيكلية التي ما زالت تؤرق الشارع، فمشكلة البطالة، التي تتجاوز نسبها المعدلات المقبولة، لا يمكن حلها فقط بالمشاريع الكبرى، بل تتطلب إصلاحاً إدارياً عميقاً يرفع كفاءة الجهاز الحكومي، ويقلل من البيروقراطية التي تعيق الاستثمار، كما أن التحول نحو الاقتصاد المنظم وتنظيم سوق العمل، وهو أحد أولويات الحكومة لعام 2026، يجب أن يترافق مع خطط واضحة للتعامل مع التحدي المستقبلي المتمثل في تسارع وتيرة الأتمتة والذكاء الاصطناعي، والذي سيزيد من الضغط على سوق العمل.
إن هذا يتطلب استثماراً غير مسبوق في رأس المال البشري الأردني، وتحويل التحدي الديموغرافي إلى ميزة تنافسية من خلال التعليم والتدريب التقني المتخصص.
وبالنظر إلى مجمل التحديات والفرص المطروحة، يتضح أن الاقتصاد الأردني يقف اليوم على مفترق طرق حاسم. فالجهود المبذولة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، المدعومة بالإرادة الملكية السامية، تفتح آفاقاً واعدة للنمو والازدهار، لكن تحقيق هذه الآمال يتطلب تضافر الجهود الوطنية، من خلال شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، لترجمة الخطط إلى إنجازات ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية.
إن الثقة في المستقبل الاقتصادي للأردن ليست مجرد تفاؤل، بل هي إيمان بقدرة هذا الوطن، تحت قيادته الهاشمية الرشيدة، على تحويل التحديات إلى فرص، والمضي قدماً نحو مرحلة جديدة من التنمية المستدامة.
*آيات محمد الشاذلي/ محللة في الإقتصاد والاستراتيجيات الدولية.