الميكروبيوم البشري وكيف تؤثر الميكروبات على مزاجنا وصحتنا؟
د. محمود سمور
25-11-2025 04:04 PM
الميكروبيوم البشري هي المجموعة الكاملة من الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبيوتا) التي تعيش على البشر وفيهم، وبشكل أكثر تحديدًا، مجموعة الجينومات الميكروبية التي تساهم في الصورة الجينية الأوسع، أو الميتاجينوم للإنسان.
تمثل الجينومات التي تشكل الميكروبيوم البشري مجموعة متنوعة بشكل ملحوظ من الكائنات الحية الدقيقة التي تشمل البكتيريا والعتائق (الكائنات الحية البدائية وحيدة الخلية) والفطريات وحتى بعض الأوليات والفيروسات غير الحية.
البكتيريا هي أكثر أعضاء الميكروبيوم البشري عددًا: يقدر عدد البكتيريا وحدها بما يتراوح بين 75 تريليون و200 تريليون كائن حي فردي، بينما يتكون جسم الإنسان بأكمله من حوالي 50 تريليون إلى 100 تريليون خلية جسدية.
تشير الوفرة الميكروبية الهائلة إلى أن جسم الإنسان هو في الواقع "كائن حي فائق"، أي مجموعة من الخلايا والجينات البشرية والميكروبية وبالتالي مزيج من السمات البشرية والميكروبية.
اولا : ما هي العوامل التي تتاثر فيها تركيبة الميكروبيوم في جسم الانسان؟
لا يبقى الميكروبيوم ثابتًا، بل قد يتغير نوع هذه الكائنات الدقيقة ويزيد عددها أو ينقص حسب العوامل الآتية:
1- الجينات: يُعتقد أنّها تُحدد تنوع الميكروبيوم في الجسم.
2- طريقة الولادة والرضاعة: الأطفال المولودين ولادة طبيعية يكتسبون ميكروبات الأم من المهبل، بينما الأطفال الذين يولدون بعملية قيصرية يتعرضون لميكروبات الجلد، كذلك فإن الرضاعة الطبيعية لها دورٌ في تشكيل ميكروبيوم الطفل.
3- النظام الغذائي: حيث إن بعض العناصر الغذائية مثل الألياف تغذي البكتيريا النافعة وتُعزز نموها، بينما الأطعمة المصنعة والسكريات والدهون الضارة، قد تُقلل البكتيريا النافعة، وتحفز نمو الأنواع الضارة.
4- العوامل البيئية: حيث يتأثر الميكروبيوم بالنظافة الشخصية، والتعرض للتلوث، والأمراض ومستوى النشاط البدني وغيرها.
5- الأدوية: فمثلًا تُؤثر المضادات الحيوية كثيرًا على توازن الميكروبيوم، فمع أنها تقتل البكتيريا الضارة، إلا أنها قد تقضي أيضًا على البكتيريا المفيدة، خاصةً عند استعمالها لمدة طويلة دون استشارة الطبيب.
6- العمر: عند الولادة يكون الميكروبيوم في جسدنا أقل عددًا وتنوعًا، لكن ذلك يتغير مع تقدمنا في العمر.
7- تغيرات الوزن: يتأثر الميكروبيوم بزيادة الوزن أو فقدانه، حيث ذكرت دراسة أنه تُوجد أنواع فريدة من الكائنات الدقيقة لدى الأشخاص الذين يُعانون من الوزن الزائد، حيث تُساعد على تخزين الدهون في الجسم، وربما يكون ذلك مرتبطًا بالإفراط في تناول الدهون، والسكريات والكربوهيدرات.
ثانيا: علاقة الترابط بين الامعاء والدماغ بوجود الميكروبيوم البشري (محور الامعاء والدماغ)
محور الأمعاء والدماغ هو الإشارات الكيميائية الحيوية ثنائية الاتجاه التي تحدث بين الجهاز الهضمي والجهاز العصبي المركزي. يُبرز مصطلح "محور ميكروبات الأمعاء والدماغ" الدور المفترض لميكروبات الأمعاء في التفاعل مع وظائف الدماغ، وفقًا لأبحاث أولية. يشمل محور الأمعاء والدماغ، بتعريفه الواسع، الجهاز العصبي المركزي، والجهاز الغدد الصماء العصبي، والجهاز المناعي العصبي، ومحور تحت المهاد - الغدة النخامية - الغدة الكظرية (محور HPA) والأذرع الودية واللاودية للجهاز العصبي اللاإرادي، والجهاز العصبي المعوي، والعصب المبهم، وميكروبات الأمعاء.
يمكن للمواد الكيميائية التي تفرزها ميكروبات الأمعاء أن تؤثر على نمو الدماغ، بدءًا من الولادة حيث تشير مراجعةٌ أُجريت عام ٢٠١٥ إلى أن ميكروبيوم الأمعاء يؤثر على الجهاز العصبي المركزي من خلال "تنظيم كيمياء الدماغ والتأثير على الأنظمة العصبية الصماء المرتبطة بالاستجابة للتوتر والقلق ووظائف الذاكرة."
قد يشمل هذا الاتصال ثنائي الاتجاه اتصالاتٍ مناعية وصماء وخلطية وعصبية بين الجهاز الهضمي والجهاز العصبي المركزي. وتشير مراجعةٌ أُجريت عام ٢٠١٩ لأبحاثٍ مختبرية إلى أن ميكروبيوم الأمعاء قد يؤثر على وظائف الدماغ من خلال إطلاق إشاراتٍ كيميائية، قد تشمل السيتوكينات، والناقلات العصبية، والببتيدات العصبية، والكيموكينات، والرسائل الصماء، والمستقلبات الميكروبية، مثل "الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، والأحماض الأمينية متفرعة السلسلة، والببتيدوغليكان" ثم تُنقل هذه الإشارات الكيميائية إلى الدماغ عبر الدم، وخلايا الأرجل العصبية، والأعصاب، والخلايا الصماء، حيث قد تؤثر على عمليات أيضية مختلفة.
ثالثا : كيف تؤثر الميكروبيوم على السلوك والمزاج؟
البروبيوتيك هي كائنات دقيقة حية متنوعة كما ذكرنا أو "بكتيريا نافعة" ذات فوائد صحية عند تناولها. وهناك مصطلح وثيق الصلة هو "البريبيوتيك"، الذي يُعرّف بأنه مكونات غذائية تعزز نمو أو نشاط الكائنات الدقيقة النافعة. يُعدّ كلٌّ من البروبيوتيك والبريبيوتيك جزءًا من النقاش الدائر حول مجال بحثي مثير للاهتمام، وهو الميكروبيوم، وهو مجتمع من الكائنات الدقيقة التي تعيش في بيئة معينة. يشير الميكروبيوم البشري إلى مجموعة من الكائنات الدقيقة التي تعيش في جسم الإنسان أو عليه - على سبيل المثال، على الجلد واللثة والأسنان وفي الجهاز التناسلي والأمعاء. نحن على أعتاب تسليط الضوء على العلاقة المعقدة والتكافلية بين الميكروبيوم والمضيف البشري السليم.
يساعد البروبيوتيك والبريبيوتيك (المادة الغذائية التي تغذي الميكروبيوم) في توازن البكتيريا النافعة والضارة. فمئات أنواع البكتيريا الموجودة في أمعائك ضرورية لصحتك، ويمكن للمضادات الحيوية والطعام الذي تتناوله ومجموعة متنوعة من العوامل البيئية، وحتى التوتر، أن تُخلّ بالتوازن بين البكتيريا النافعة والضارة. عندما يتناقص تناغم بكتيريا الأمعاء مع البكتيريا الضارة، تحدث حالة تُسمى خلل التوازن البكتيري، حيث تقلّ أعداد أنواع البكتيريا السائدة عادةً، وتملأ الأنواع الضارة الفراغ. تشمل الأمراض المصاحبة لخلل التوازن البكتيري أمراض اللثة، والتهاب الأمعاء، والتهاب القولون، والسمنة، والسرطان، والمشاكل العصبية، مثل تقلبات المزاج.
رابعا : الميكروبيوم وعلاج الأمراض
بما أن الأبحاث تشير إلى أن اضطراب الميكروبيوم له دور في الإصابة ببعض الأمراض، يظهر تساؤل مهم هل يمكن علاج هذه الأمراض بإعادة الميكروبيوم إلى حالته الطبيعية؟ هذا هو الهدف الذي يسعى إليه العلماء، لكن للآن لا يزال ذلك قدر الدراسة؛ بسبب الحاجة إلى فهم العوامل التي تُغير الميكروبيوم وتُسبب الأمراض بشكلٍ أدق.
وبالرغم من محاولة استخدام البروبيوتيك (Probiotics) إلا أن البروبيوتيك الموجود في المكملات الغذائية أو الأطعمة (مثل الزبادي) يمر عبر الجهاز الهضمي عادةً دون أن يؤثر على الميكروبيوم بشكلٍ كبير.
ويدرس العلماء تأثير الميكروبيوم على استجابة الجسم للعلاجات الطبية، خاصةً علاجات السرطان، فعلى سبيل المثال يُحفز العلاج المناعي الجسم على مهاجمة الخلايا السرطانية، وقد ذكرت بعض الدراسات أنّ الميكروبيوم يزيد فعالية هذه العلاجات؛ حيث يُرسل إشارات تُنشط خلايا المناعة.
خامسا: نصائح للحفاظ على صحة الميكروبيوم
1- تناول المزيد من الفواكه والخضروات الملونة: الإكثار من الألياف، مثل الحبوب الكاملة (الشوفان، القمح الكامل، النخالة، الشعير)، والبقوليات (العدس والحمص).
2- تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك، مثل الزبادي، والمخللات، والكيمتشي.
3- استخدام المضادات الحيوية بحذر وبعد استشارة الطبيب؛ لأنها تقتل البكتيريا النافعة.
4-التقليل من التوتر والضغط النفسي، وذلك بالحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يوميًا، وممارسة تمارين الاسترخاء، مثل اليوغا والتنفس العميق.
5- تجربة مكملات البروبيوتيك والبريبيوتيك، لكن يُفضل التأكد من أنها مبرّدة ومحفوظة بشكل صحيح للحفاظ على فعاليتها.
6- ممارسة الرياضة باستمرار.
الخلاصة
يؤثر نمط الحياة وجودة الطعام بشكل كبير على توازن ميكروبيوم الأمعاء. وبالتالي، تؤثر الأطعمة المصنعة، والوجبات السريعة، والحلويات المكررة، والعصائر الغازية المحلاة، والصلصات سلبًا على ميكروبيوم الأمعاء من خلال تغيير تركيبه (اختلال التوازن البكتيري). ويزداد استهلاك هذه الأطعمة الضارة بالجسم ويساعد على إثارة للقلق، على الرغم من تحذيرات المنظمات المعنية لهذه الأطعمة تأثير سلبي على ميكروبيوم الأمعاء المترمّم، حيث تنخفض أنواع البكتيريا المفيدة وتزداد احتمالية وجود أجناس انتهازية أو ضارة. وقد رُبطت التغيرات في ميكروبيوم الأمعاء باضطرابات مختلفة تؤثر على الجهاز الهضمي، والقلب والأوعية الدموية، والجهاز العصبي، والجهاز المناعي، والعضلات، والهيكل العظمي. وهذا يعني أن تغيير تركيب ميكروبيوم الأمعاء يؤثر على الجسم بأكمله، لذا فإن اختيارات الطعام تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على الصحة (والتي لا تقتصر فقط على غياب الأمراض). إن إزالة الأطعمة الضارة الغنية بالدهون المشبعة والدهون المتحولة والسكريات والملح والمحليات الصناعية من السوق من شأنه أن يحدّ بشكل واضح من استهلاكها ويحدّ من الأمراض المزمنة غير المعدية.
* باحث في مجال علم الاحياء الدقيقة -