إن أخطر إشارة حمراء يقف أمامها المجتمع الأردني اليوم هي المخدرات، فليس ثمة إشارة تؤشر على خطر حقيقي محدق بأبنائنا وبناتنا ومجتمعنا ووطننا أكثر من تلك الآفة التي توشك أن تعصف بالأمن الاجتماعي، وتلقي بالشباب في أتون مستعر وقوده الحاضر والمستقبل، ومخرجاته البطالة والجريمة، وأدواته ثلة من تجار الموت الذين استباحوا المجتمع، وقطعوا عراه، وأوغلوا في دماء أبنائنا سموما ومهلوسات. إن تداعيات ذلك لن تتوقف عند غياب الأمن المجتمعي وارتفاع منسوب العنف بين المتعاطين ومحيطهم القريب والبعيد، بل سيصل الأمر إلى ما هو أبعد، وستتحول هذه القضية التي تبدو لقصيري النظر ومحدودي الرؤية مجرد قضية سلوكية اجتماعية يمكن أن تحل بزيادة عدد السجون وتغليظ العقوبات إلى كارثة مركبة سياسيا واقتصاديا ستطال آثارها جميع البنى العميقة، لتنفجر على حين غرة في وجوهنا جميعا كبركان "هايلي غوبي" في أثيوبيا.
إن العقوبات والسجون مجرد حلول مؤقتة وعلاج للأعراض لا لجذور المشكلة التي خرجت عن الحدود الآمنة؛ فبناء على إحصائية صادرة عن إدارة مكافحة المخدرات فقد تم تسجيل ثلاثة وعشرين ألف قضية مخدرات خلال عام 2023 بلغ عدد المتورطين فيها حوالي خمسة وثلاثين ألف شخص، وقد ارتفع عدد القضايا خلال عام 2024 إلى خمسة وعشرين ألف قضية، مما يعني أن مؤشر نمو هذه الظاهرة في تصاعد مستمر، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عمن هو المسؤول عن انتشار هذه الآفة بهذا الشكل المريع؟!
وبين يدي هذه الكارثة التي تحل بنا قد يقول قائل: إن ظاهرة الإدمان وتعاطي المخدرات ظاهرة تجتاح كثيرا من الدول العربية لاسيما المجاورة منها، ولا تقتصر على الأردن وحده، لكن -في الحقيقة- لا يجوز أن نقارن أنفسنا ببعض الدول الشقيقة المحيطة بنا كسوريا والعراق ومصر ؛ فهذه البلدان مرت بظروف أمنية عصيبة انعكست على أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، أما نحن في الأردن فبفضل الله ومنه وتوفيقه لم نمر بمثل تلك الظروف المؤسفة، وبقيت الدولة الأرنية واقفة على قدميها، وظلت مؤسساتها سليمة معافاة تعمل على تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها، ومع ذلك نعاين ونشهد إغراق الأسواق بشتى أنواع السموم، ومصدر ذلك إحصائيات وتصريحات الجهات المختصة التي تطالعنا بين حين وآخر بمصادرة عشرات الملايين من شتى أنواع المخدرات، ولعله من المعروف أن ما يمر وينتشر في المجتمع أكثر بكثير مما يتم ضبطه، والدليل على ذلك أن نسبة نمو المتعاطين في المجتمع بحسب إدارة مكافحة المخدرات تزيد عن 3% وهي نسبة تكاد توازي نسبة المواليد والزيادة السكانية، ولو أن الكميات الداخلة إلى السوق تقل لما زادت نسبة المتعاطين.. إلى هذا الحد.
في نهاية المطاف أقول إن الأمر جد خطير، وأن هؤلاء المتعاطين الضحايا من شبابنا الذين وصلوا إلى نقطة اللاعودة بركان يضطرم في الأعماق، ومن هنا أقول لأصحاب الخطوط الحمراء الذين يتوجسون الخوف المصطنع على الدولة والقيادة والوطن لتبرير وجودهم الطاغي على كل المفاصل رغم تكلس مفاصلهم وتآكلها... ليس ثمة خطوط حمراء يريد الأردنيون اجتيازها باتجاه دولتنا العزيزة، ونظامنا الملكي الهاشمي الأبوي الحبيب بقيادة جلالة ملكنا المفدى، الذي دخل قلوب الأردنيين من بوابة الصدق والعفويه والتواضع ومحبته لشعبه، فكل الخطوط والاتجاهات بين الدولة والملك والشعب خضراء ومفتوحة فدعكم من هذا، والتفتوا إلى الخطوط والحمم الحمراء الحقيقية المخزونة في أعماق جبال من الفقر والبطالة وانسداد الأفق، لاسيما إذا ما ربطت بفتيل مشتعل من المخدرات الكيميائية المصنعة التي تغزو الأسواق، عندها لاشك أن انفجارا قذرا سيلقي بظلاله علينا جميعا.