عودة التهديد الكامن: داعش بين إعادة الإنتاج وتعقيدات المشهد السوري
د. عماد الحمادين
13-12-2025 10:59 PM
تشير المعطيات الميدانية والأمنية إلى عودة نشاط تنظيم داعش في البادية السورية، مع انتقاله من نمط الكمون إلى تنفيذ عمليات نوعية ذات رسائل سياسية وأمنية واضحة. استهداف عناصر من التحالف الدولي في تدمر، في توقيت متزامن مع إعادة ترتيب المشهد السوري وتراجع الوجود العسكري الأمريكي، يعكس محاولة التنظيم استثمار مرحلة التحولات والفراغات النسبية لإعادة تثبيت حضوره وإرباك مسارات التنسيق الأمني.رغم أن التنظيم لا يمتلك القدرات التقليدية التي كان يتمتع بها سابقاً، إلا أنه ما زال يحتفظ بمرونة عملياتية، وشبكات دعم محلية، وقدرة على جمع المعلومات، بما يؤهله لتنفيذ هجمات محدودة لكنها مؤثرة سياسياً وأمنياً.
شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً في وتيرة هجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا، لا سيما عبر ما يُعرف بولاية العراق والشام. وفق بيانات إعلامية صادرة عن التنظيم منذ آذار/مارس 2023، أعلن عن مئات الهجمات التي أودت بحياة وإصابة عدد كبير من المدنيين والعسكريين، وهو ما يشير إلى استمرار قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات عنيفة بالرغم من التراجع الظاهر في قوته الميدانية مقارنةً بفترات سابقة.
تؤكد حوادث مثل التفجير الذي استهدف مركزاً أمنياً في بلدة ميدان الشرقية في 18 أيار/مايو، والذي أسفر عن سقوط قتلى، أن داعش قادر على ضرب أهداف داخلية واستغلال ثغرات أمنية لزعزعة الاستقرار المحلي. تزامنت بعض هذه العمليات مع تطورات إقليمية وسياسية بارزة، من بينها انسحاب جزئي للقوات الأجنبية وتبدلات في تحالفات إقليمية، مما يجعل توقيت الهجمات عنصراً مهماً لفهم أهدافها الاستراتيجية.
الحادث الأخير في تدمر، الذي أدى إلى مقتل اثنين من الجنود الأمريكيين ومترجم مدني أثناء اجتماع مع قيادات محلية، يسلط الضوء على قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات نوعية ذات توقيت حساس. على الرغم من أن المهاجم الوحيد لم يتمكن من اختراق منطقة الاجتماع نفسها، فإن حصول التنظيم على معلومات حول موعد ومكان اللقاء يطرح تساؤلات حول مصادر التسريب ومَن قد يستفيد من إضعاف التعاون الأمني بين الأطراف المحلية والقوات الدولية.
ثمة عدة فاعلين إقليميين وداخليين قد يمتلكون مصلحة في عرقلة التنسيق بين القوات السورية والشركاء الدوليين أو في إعادة إنتاج نشاط داعش في البادية السورية. يمكن تصنيف دوافع هؤلاء الفاعلين إلى مجموعات: جهات تسعى لإبقاء سوريا ضعيفة ومشتتة لصالح مصالح إقليمية، أطراف ترى في تقويض التعاون الأمني فرصة لتوسيع نفوذها المحلي، وجماعات مسلحة قد تستفيد سياسياً وأمنياً من استمرار حالة عدم الاستقرار.
من جهة أخرى، يسعى تنظيم داعش من خلال مثل هذه العمليات إلى تأكيد وجوده وإضعاف تحالفات محتملة بين القوات الأمريكية والحكومة السورية الجديدة. تهدف الدعاية التنظيمية، التي تصف قيادات أو رموزاً بأنها "دمى" بيد قوى خارجية، إلى إحداث شرخ داخلي واستمالة عناصر كانت تشارك أو دعمت سابقاً التشكيلات العسكرية الرسمية، وذلك عبر استغلال مخاوف وتناقضات الهوية والانتماء.
تحتاج تداعيات هذه الهجمات إلى تقييم دقيق لآثارها على ملف التنسيق الأمني السوري-الأمريكي. فضعف التنسيق أو فقدان الثقة بسبب تحذيرات أمنية متبادلة أو تسريبات للمعلومات قد يعرقل جهود مكافحة الإرهاب ويتيح لداعش هامشاً أوسع للعمل. كما أن إعادة انتشار الجماعات المتطرفة في البادية يعيد إلى الواجهة مسألة بسط سلطة الدولة على كامل التراب الوطني والقدرة على تأمين الحدود والمناطق النائية.
أخيراً، يتطلب التصدي لهذه التحديات نهجاً متعدد المستويات: تحسين آليات تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الفاعلين الاقليميين، مراجعة إجراءات الحماية لأماكن الاجتماعات الحساسة، ومعالجة الفجوات السياسية والاقتصادية التي تستغلها التنظيمات للتجنيد وإعادة الإنتاج. كما ينبغي أن ترافق الإجراءات الأمنية سياساتٍ تهدف إلى تقوية حكم القانون وبسط سلطة الدولة، وتقليل المساحات التي يمكن أن تستفيد منها الجهات الراغبة في إبقاء سوريا ضعيفة أو مشتتة لصالح أجندات خارجية أو إقليمية.
* مركز الدراسات الاستراتيجية/ الجامعة الاردنية