نحتفي بمن بلغ القمم في اليوم العالمي للجبال
عبدالرحيم العرجان
15-12-2025 01:55 PM
في الحادي عشر من كانون الأول من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي للجبال بعد اعتماده من الأمم المتحدة منذ عام 2003، وذلك لأهمية هذا المكنون الطبيعي الذي يعدّ مصدرًا أساسيًا للحياة والتنمية وموطنًا للكثير من المخلوقات على اختلاف أشكالها بحكم الفطرة.
ومنذ القدم وفجر التاريخ وما قبله، نجد توجه الإنسان للعيش في الجبال لتوفر عناصر استمرار الحياة والأمان والخلوة بغية التقرب إلى الخالق؛ فقد ذُكرت الجبال 39 مرة في كتاب الله القرآن الكريم، وما يقارب 500 مرة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
وفي الأردن، وتحديدًا في منطقة الميسَّة، وُجد على قممها منشآت لبدايات الاستيطان البشري ونشأة القرية بشكلها المتكامل من مساكن ومستودعات غلال وسور منيع بمدخل واحد محصّن على قمم الجبال.
ومع تقدم الزمن وسهولة العمران واستقرار الحياة إلى ما وصلنا إليه، لم يكفّ البشر عن الطموح لبلوغ القمم.
أرقام عالمية
وفي هذا العام 2025 سُجلت أرقام قياسية عالمية جديدة ببلوغ ما يُعرف بـ”ما بعد نقطة الموت” 8000 متر، وعددها 14 قمة موزعة بين الصين ونيبال والباكستان.
لم يقف العمر، صغرًا أو كبرًا، عائقًا أمامها، ولا النوع رجلًا كان أو امرأة، حتى لو كانت حاملًا؛ فهم سواء بعد تلقي التدريبات، أو ممن هم من أصحاب الهمم الذين صنعوا من بلوغ القمم سجلًا يُسطَّر باسمهم وتعتز به بلادهم، ونقلوا رسالتهم.
ساعدهم في ذلك التطور التقني في صناعة الملابس وزيادة عزلها ومتانة الأدوات وخفة وزنها، واستخدام التكنولوجيا في التنبؤ بالحالة الجوية والتموضع ومعرفة نقاط الأمان للمسير والاتصال للإخلاء.
وكان قد وصل إيفرست المغامر إدموند هيلاري برفقة مرشده المستكشف النيبالي تينزينغ نورغاي عام 1953 فاتحًا الأفق لهذا المجهول والطريق لمغامري العالم، وقد جُسّد لهما تمثال ذهبي في بلدة لوكلا، نقطة بداية الطريق إلى مخيم القاعدة الشهير قرب واحد من أخطر مطارات العالم، حيث كنا يومًا هناك حاملين علم الوطن ورسالة إنسانية.
فالنرويجية كريستين هاريلا أنجزت صعود القمم الأربع عشرة في 92 يومًا محققة أسرع صعود في العالم، وقد دوّنت رحلتها في كتاب يستحق القراءة صدر قبل شهور.
أما الهندية كامي كارثكيان ذات الـ16 ربيعًا فكانت الأصغر سناً عالميًا. والأسطورة كامي ريتا شيربا ما زال يكسر الأرقام المسجلة في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، إذ رفع علم موطنه نيبال 30 مرة على قمة إيفرست، أما منافسه البريطاني كينتون كول فحقق ذلك 19 مرة.
ودوريتا ليدا كان أول بولندي يتمّم هذه القمم. أما السويسري نيكولا هوجاك وشريكه فيب بروغر النمساوي فقد حققا رقمًا قياسيًا مذهلًا في سرعة بلوغ قمة “إيفرومنش” في 15 ساعة و30 دقيقة، وهو ثمرة تعاون وروح فريق وتدريب طويل.
أما المتسلق الصبور بيما شيربا البالغ 37 عامًا فسجّل على أعلى قمة بلوغ إنسان زارع كلى، وهو إنجاز طبي رياضي يُشار إليه بالبنان، وقد بلغتها أيضًا أول امرأة قيرغيزية أسيل بايباجيشيفا.
ولأطول رحلة، كان الإنجاز باسم ميتش هاتشكرافت الذي قطع مسافة 8000 ميل سيرًا على الأقدام وجريًا ودراجة هوائية في بعض المراحل انطلاقًا من توركواي تحت شعار “من البحر إلى إيفرست”.
أما سيرباز خان فكان أول باكستاني يحقق بلوغ القمم الـ14 دون استخدام أوكسجين معزز، وكذلك البولندي بيوتر كرزيسوفسكي.
ومن النرويج كانت لينا غامساخورديا تبلغ سقف العالم، وأيضًا الزوجان سكوبيس أصغر بولندية.
أما ميورا البالغ 80 عامًا فكان الأكبر سنًا ليتوج بعميد المتسلقين في العالم، ويستحق ذلك.
أما كارلوس سويا الإسباني فقد بلغ قمة مناسلو 8163 مترًا بعمر 86 عامًا محققًا حلمًا راوده لخمسة عقود، وما زال يطمح لبلوغ قمم أخرى، وهنا العمر ليس مقياسًا للنشاط والقدرة.
وسُجل على القمة ذاتها وصول نيما شيتيرينغ ليكون أصغر من وصلها.
أما من أجمل الإنجازات فهو وصول خمسة إخوة من قبائل الشيربا معًا للقمة. ومن القبيلة ذاتها كانت اليافعة نجيم تشامجي أصغر فتاة تصل عمرها 16 عامًا، كاسرة رقم الأمريكية إيما شفيرين بفارق عام واحد؛ ما يدل على أن أهل المكان أدرى به مع عالميته.
أما لينا لينكا بولاتشكوفيا فقد حققت إنجازًا تاريخيًا باسم سيدات سلوفاكيا ببلوغ قمة “كي 2” الأصعب في العالم.
أما الباكستانية سلطانة نِسْب فقد بلغت إيفرست وهي حامل، ويحق لها أن تسجل ذلك أيضًا باسم مولودها الذي أمضى شهرين في المهمة في أحشاء والدته في ظروف جوية صعبة تصل إلى 35 درجة تحت الصفر.
ولبورجا شيربا أرقام قياسية دائمة؛ فقد بلغ 52 مرة صعود قمم تتجاوز 8000 متر، منها 24 مرة دون استخدام أوكسجين، مُدونة في سجل “غينيس” العالمي.
أبطال العرب
ونعتز بأبطالنا العرب وإنجازاتهم ومثابرتهم التي توالت خلال موسمين هذا العام معززة بالفخر.
فالرياضية المتمرّسة نيلي عطار بلغت قمة مكالو 8485 مترًا محققة إنجاز أول عربية تصلها رافعة علم لبنان، تلاها بعشرة أيام بلوغها قمة كانشينجونغا 8586 مترًا.
وتبعتها ببضعة أيام سمو الشيخة أسماء آل ثاني رافعة علم قطر على قمة مكالو ورسالة إنسانية عالمية، عقبها بلوغ قمة جاشربرم 1 حاملة علم قطر والكوفية الفلسطينية بالشراكة مع المغامرة المصرية راوية عبدالله.
أما الإماراتي سعيد العمري فبلغ كانشينجونغا ثالث أعلى قمة.
ولتونس سجل بوصول إيفرست لأول مرة باسم الطاهر المناعي البالغ 27 عامًا.
ومن الأردن بلغ أحمد بني هاني قمة مناسلو 8163 مترًا، الثامنة ترتيبًا من القمم الأربع عشرة.
كلفة الإنجاز
وتُعدّ هذه الرياضة من أخطر الممارسات في العالم وأعلاها كلفة، إذ يتجاوز إتمام القمم الأربع عشرة 300 ألف دولار للشخص الواحد إن نجح ببلوغ القمم، دون احتساب كلفة الإخفاق، وهو مبلغ كافٍ لتبني فريق كامل في الرياضات الجماعية.
ولزيادة الإقبال، رفعت الحكومة النيبالية رسوم تصريح دخول محمية إيفرست لما بعد مخيم القاعدة ليصبح 35 ألف دولار للزيارة الواحدة، وذلك لتنظيم هذه الرياضة والتأكد من أن من يقوم بها ذو ملاءة مالية ينفق ماله عند يقينه التام بالوصول.
وقد لقي 340 متسلقًا لغاية اليوم حتفهم في الطريق إليها، وما زال عالقًا عليها 200 جثة لم تتم إزالتها لارتفاع التكاليف.
وتسلق الجبال ليس بالأمر الصعب إن صُقِل بالتدريب والتجهيز والدعم المعنوي والمالي الكافي؛ فحياة الجبل تستمر لأسابيع في خيام وفي أقصى الظروف المناخية مع اختلاف الطعام والشراب وحديث العزلة في عالم البياض وانخفاض درجات الحرارة.
ويثير اللبس أحيانًا ما يُعرف بـ”أعلى سبعة جبال في العالم”؛ فهذا تعبير منقوص يجب أن يكون مقرونًا بقارات العالم، إذ إن أعلاها إيفرست، أما البقية فهي دون السبعة آلاف متر، وأخفضها كوسيياسكو 2228 مترًا فقط في أستراليا، ومنها ما يحتاج مسيرًا لبضعة أيام.
ونختم، أن تبلغ إنجازًا كبيرًا وتدعم غيرك فهو إنجاز أكبر لبلدك، ولا تنسَ أن في وطنك قممًا احرص على بلوغها؛ فوطَنُك عنوان انطلاقك، وله يُسجَّل إنجازك.