حين يشجّع المغترب وطنه: كرة القدم كذاكرة وهوية
د. عماد الحمادين
20-12-2025 06:55 PM
الوطن بالنسبه للبعض مساحة وفرص عمل, وبالنسبة للاخرين خفقة في الفؤاد وحنين للبلاد لا يخفت وذكريات مثقلة بالصور والوجوة التي يتمنى المرء لوتستعاد تتقاذفه الحنين للاهل ويحمل في قلبه مجموع من السعادات لا تنهي. هو مسقط الرأس، وملعب الطفولة، ومكان الاجتماع الأول للأهل والأصدقاء. ورغم ما يعتريه من تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا تُحل بين ليلة وضحاها، يبقى الوطن هو صاحب الكلمة العليا في وجدان المغترب. فكيف لا، وهو الأصل والمرجع والملاذ العاطفي الأول. يراقب المغترب وطنه من بعيد، يتابع أخباره بتفاصيل دقيقة، ويعيش قلقًا مضاعفًا عليه، غالبًا ما يفوق قلق المقيمين داخله. هي حساسية الغربة التي تجعل الخوف على الوطن أكثر حدّة، والفرح بإنجازاته أكثر عمقًا.
كم منزل في الارض يالفه الفتى وحنينه ابدا لاول منزل
يظهر حب الوطن عند المغترب بقوة وخاصة لدى الشباب عند المنافسات الرياضيه وخاصة كرة القدم الاشهر بين الشباب. فابنائنا المغتربون وخاصة من ولد في الغربه او تغرب صغيرا ولم يعاصر الوطن جيدا كوالديه تصبح هوية الوطن لديه مايشتهر به وطنه. يختلط بجنسيات وقوميات وعرقيات مختلفه . فعندما يصعد الاردن لدوريات عالميه ويصبح حديث العالم تنتاب هؤلاء الشباب نشوة الوطن والهوية وتذوب بين ابناء الوطن الفوارق وتصبح الرياضه جامعة لهم وموحدة لشعورهم الوطني وفيها يتفقون على دعم القريق. هذا الشعوريرتكز في اللوعي دعما للوطن واتفاق عليه اولا واخيرا وقد يلتقوا في ساعات متاخرة من الليل لحضور المباريات التي يختلف توقيتها عن توقيت الوطن الام. المعادله بسيطه الرياضه تحد الشباب وتزيد من حبهم للوطن وتقزم المشاكل الوطنيه الكبيرة وتجعل الانتماء طبيعة لا تكلفا.
الغربة بعد 11 سبتمبر: تحوّل المعنى والواقع
الغربه لم تعد مغريه كما كانت قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحده. تلك الحادثه ومن تبعها من حرب على الارهاب القت بظلالها على حياة الاقليات المسلمه في العالم اجمع واصبح يسمى "المجتمع المتهمSuspect Community " واخترعت ألة مكافحة الارهاب وحشا اخافت به المغتربين واوجدت شرخا بين المجتمعات الغربيه ومجتمعات المسلمين والمغتربين بشكل عام وظهرت مصطلحات مثل الخوف من الغرباء Xenophobia. وتعني الخوف أو الكراهية أو التحامل ضد الأجانب أو الغرباء أو أي شيء يُنظر إليه على أنه غريب أو خارجي.وهي غالبًا ما تُستخدم لوصف الخوف من الثقافات أو المجموعات المختلفة. وكذلك ظهر بكثرة مصطلح الاسلامفوبيا او الخوف من الاسلام. اضف الى ذلك صعود اليمين في الدول الاروبيه وفي امريكا وتبشيرهم بنوع من الايدلوجيا المتطرفه التي تمقت الاجانب وتعلي من العرق الابيض.
الوضع الاقتصادي في الدول الغربيه كذلك اصبح من الصعوبه بمكان وخاصة بعد كورونا فقد ارتفعت الاسعار في كل البدان الغربيه تقريبا والاجور بالساعه لم تعد تكفي فواتير البيت والكهرباء والمصروفات الاخرى ولا يستطيع جل المغتربين شراء بيت الا بديون كبيرة تجعل من سداد البيت عبوديه حديثه.
الأردنيون في الغربة… حنين مضاعف وقلق أبوي
المواطن الاردني المغترب من اكثر الشعوب توقا للعودة للوطن وتراه يحسب حسابات كثيره وقد انعم الله عليه بوطن مستقر وقيادة حكيمه على العكس من باقي المحيط الاقليمي وطن يذكر فيه الصبا والاهل والعزوة والاصدقاء بحنيين مرهف الاحساس. ويتمنى الكثير من المغتربين العودة ليس فقط بسبب الشوق للوطن ولكن بسبب الخوف على ابنائهم من ضياع الهوية واللغه والثقافه والدين وخاصة من اصبح منهم ذا عائله حيث يخاف عليها من تجاذبات الغربه وتاثيرات المجتمعات الغربيه وهو يرى بام عينه كثير ممن فقد البوصله وذهبت اثار تربيته لاولادة ادراج الرياح. هذا لا ينطبق على جميع المغتربين طبعا فكل شخص يرى الوطن من وجهة نظره الشخصيه ومع احترامي للجميع فبعضهم لا يرى في الوطن الا المساويء وكما قال الشافعي
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
ولكن ليس مساويء الوطن هي العائق الوحيد فقط فالغربه اصبحت مكلفة على المغتربين من الناحية الاجتماعيه وينبيك كبار السن ممن عادوا من الغربه صفر اليدين لا اهل ولا مال كيف انهم فقدوا زهرة شبابهم في الغربه. فقد شابوا فيها ولم يستطيعوا التوفيق بين تربية الاولاد على طريقتنا وبين تجاذبات الغرب واغراءات الحياة للصغار. لكن حلم العودة عادة يصطدم بسؤال مهم هم لماذا اعود؟ لكل مغترب قصة تختلف عن الاخر ولاتطبق عليها القواعد فمن كان ذا عمل يسد رمقه في الغربه فقد يرضى ولا يعود ليس حبا بالغربه ولكن لخوفه من ان لا يجد عملا او يضطر ان يعمل عملا لا يناسبه وما يخيفهم اكثر ايضا حالات من فشال العائدين وعودتهم مرة اخرى للغربه وبالتالي فهو يعزي نفسه بعدم العودة بالاعتماد على تجربةالشخص الاخر وهذا اسقاط نفسي لا يجوز فيه التعميم. قرار العودة او البقاء في الغربي شخصي ويختلف من شخص لاخر وحسب رؤيته لوافع الاردن والبلد في الغربه
الوطن حاضر… رغم المسافة
في جميع الأحوال، يبقى الوطن حاضرًا في قلوب المغتربين. يفرحهم أي تقدم، وتؤلمهم أي إساءة، ويشعرون أن النقد الجارح للوطن يمسهم شخصيًا. ولو وُجد إطار وطني منظم يضمن للعائدين فرص عمل—ولو بدخل أقل—لشهدنا عودة أعداد كبيرة منهم.
كما أن المغتربين بحاجة إلى اهتمام أكبر من المؤسسات الرسمية، خاصة في السفارات، إذ إن طريقة التعامل معهم، رغم أنها قد تبدو تفصيلًا صغيرًا، تترك أثرًا عميقًا في نفوسهم، وتعيد إنتاج صورة البيروقراطية التي ما تزال تؤرق الكثيرين
.يقول برنارد شو" الغربه ان يكون لديك خبر سار ولا تجد من تنقله اليه"
بين الحنين والواقع، وبين كرة القدم والسياسة، وبين الغربة والعودة، تبقى علاقة المغترب بوطنه علاقة معقّدة، لكنها صادقة، نابضة، ولا تعرف الانفصال.
* مركز الدراسات الاستراتيجية