facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




النمو الاقتصادي واستدامة الضمان الاجتماعي


م. سعيد المصري
23-12-2025 09:21 AM

لماذا لم تعد الوظائف تتبع النمو؟

لم يعد النقاش حول استدامة أنظمة الضمان الاجتماعي محصورًا في الحسابات الاكتوارية أو التعديلات التشريعية فقط، بل أصبح مرتبطًا بطبيعة النمو الاقتصادي نفسه وبقدرته على توليد فرص العمل. فالسؤال الجوهري اليوم لم يعد: كم ينمو الاقتصاد؟ بل: كيف ينمو؟ ولمن؟ وبأي أثر على سوق العمل؟

في مراحل سابقة، كان النمو الاقتصادي يُترجم تلقائيًا إلى توسع في التوظيف وارتفاع في الأجور، ما يضمن تدفقًا مستدامًا لاشتراكات الضمان الاجتماعي. غير أن التحولات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وتسارع التطور التكنولوجي، وتغير أنماط الإنتاج، أضعفت هذه العلاقة التقليدية وجعلت الاعتماد عليها وحدها خيارًا غير كافٍ.
كيف تتشكل إيرادات الضمان الاجتماعي فعليًا؟

تعتمد إيرادات الضمان الاجتماعي على ثلاثة مصادر رئيسية: اشتراكات العاملين، واشتراكات أصحاب العمل، وعوائد استثمار أموال الضمان. وبين هذه المصادر، تبقى الاشتراكات المرتبطة بسوق العمل هي الركيزة الأهم للاستدامة طويلة الأمد.

وعليه، فإن أي خلل في قدرة الاقتصاد على توليد وظائف منظمة ومستقرة، أو أي ضعف في نمو الأجور الحقيقية، ينعكس مباشرة على متانة النظام التقاعدي، بغض النظر عن معدلات النمو المسجلة في الناتج المحلي الإجمالي.

التحول العالمي نحو نمو غير مولّد للوظائف

تشير التجارب الدولية إلى بروز نمط اقتصادي جديد يمكن وصفه بـ “النمو غير المكافئ للتوظيف”، حيث يتحقق التوسع الاقتصادي من خلال الأتمتة ورفع الكفاءة واستخدام التكنولوجيا، دون الحاجة إلى زيادة موازية في عدد العاملين.

هذا التحول لا يعني فشلًا اقتصاديًا، لكنه يعني أن العلاقة بين النمو وخلق الوظائف لم تعد تلقائية. فالاقتصاد قد ينمو، وقد تتحسن أرباح الشركات، دون أن ينعكس ذلك على اتساع قاعدة العاملين المشمولين بالضمان الاجتماعي أو على تحسن مستويات الأجور.

انعكاسات هذا التحول على استدامة الضمان الاجتماعي
في ظل هذا الواقع، يواجه الضمان الاجتماعي معادلة دقيقة. فمن جهة، تستمر الالتزامات التقاعدية بالارتفاع بفعل التغيرات الديموغرافية وطول متوسط العمر، ومن جهة أخرى، لا تتوسع قاعدة الاشتراك بالوتيرة الكافية لتعويض هذا الارتفاع.

وهنا تبرز حقيقة أساسية كثيرًا ما يتم تجاهلها: الضمان الاجتماعي لا يتغذى على الناتج المحلي الإجمالي، بل على الوظائف المنظمة والأجور المصرّح عنها. ولذلك، فإن أي استراتيجية تركز على رفع النمو دون معالجة بنية سوق العمل ستظل قاصرة عن تحقيق الاستدامة المالية والاجتماعية للضمان.

حدود الإصلاحات الاكتوارية والتشريعية

لا شك أن الإصلاحات الاكتوارية والتشريعية تشكل عنصرًا ضروريًا في أي عملية تصحيح، لكنها تبقى غير كافية إذا لم تترافق مع إصلاح اقتصادي أوسع. فإعادة ضبط المعادلات المالية أو شروط التقاعد قد تؤجل ظهور الاختلالات، لكنها لا تعالج جذورها المرتبطة بضعف التشغيل المنظم وتباطؤ نمو الأجور.

إن إصلاح الضمان من الداخل، دون إصلاح موازٍ في سوق العمل، يشبه معالجة النتائج دون الأسباب.

توصيات سياسات حكومية ملحّة

في ضوء التحولات العميقة التي يشهدها سوق العمل، وما أفرزته من انفصال متزايد بين النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، تبرز الحاجة إلى حزمة متكاملة من السياسات الحكومية العاجلة، لا باعتبارها استجابة ظرفية، بل كخيار استراتيجي طويل الأمد يضمن استدامة الضمان الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.


يتطلب ذلك إعادة توجيه النمو الاقتصادي نحو التشغيل المنظم عبر مواءمة السياسات الصناعية والاستثمارية مع هدف خلق وظائف قابلة للاستدامة، وربط الحوافز الحكومية بعدد ونوعية الوظائف المستحدثة لا بحجم الاستثمار فقط.

كما يبرز دمج سوق العمل غير المنظم ضمن منظومة الحماية الاجتماعية كأولوية ملحّة، من خلال التحفيز التدريجي وتبسيط الإجراءات وربط التسجيل في الضمان بمزايا ملموسة.

وتتطلب الاستدامة مواءمة سياسات الأجور مع الإنتاجية وسوق العمل الحقيقي بما يحمي القوة الشرائية ويضمن نموًا حقيقيًا في الاشتراكات.

ومن الضروري ربط سياسات التشغيل الوطنية باستدامة الضمان الاجتماعي، بحيث يُقاس النجاح بمدى انتظام واستمرارية الوظائف.

وفي ظل التحول التكنولوجي المتسارع، يصبح الاستثمار في إعادة التأهيل والمهارات المستقبلية خيارًا لا بديل عنه، مع توفير شبكات أمان انتقالية.

كما تبرز الحاجة إلى تنويع أدوات الحماية التقاعدية، وتعزيز الحوكمة والشفافية في إدارة منظومة الضمان لبناء الثقة المجتمعية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :