نحتفل بميلاد السيد المسيح كل عام بوصفه حدثًا روحيًا مؤسِّسًا لقيم السلام والمحبة والخلاص، لكنّ هذا الاحتفال يتكرر في عالمٍ لم يتعلّم من رمزيته شيئًا. فبينما يُستعاد الميلاد كطقسٍ ديني أو مناسبة اجتماعية، تستمر الوقائع الدموية في تمزيق الشعوب ، وتُدار الحروب كأنها قدرٌ دائم لا خيار أخلاقي تجاهه.
إنّ ميلاد المسيح، في جوهره الفلسفي، إعلانٌ لانتصار الإنسان على منطق العنف، ولتقديم الحياة على القوة، والرحمة على الهيمنة. غير أنّ العالم المعاصر يسير في الاتجاه المعاكس؛ إذ تُشرعن الحروب باسم الأمن، وتُسوَّق أسلحة الدمار بوصفها أدوات ردع، بينما تُقتل النساء والأطفال والشيوخ بوصفهم أضرارًا جانبية في حسابات باردة لا تعرف الإنسان إلا رقمًا.
الأخطر من العنف ذاته هو تحوّله إلى نظام عالمي مستقر. تُرتهن القرارات السيادية لدولٍ بأكملها لمصالح قوى كبرى، وتُدار مصائر الشعوب من خارج حدودها، فتفقد السياسة بعدها الأخلاقي، ويُختزل الحق في منطق القوة ، في هذا السياق، لا يعود الميلاد سؤالًا دينيًا فقط، بل سؤالًا حضاريًا: كيف لعالمٍ يحتفل بولادة رمز السلام أن يُتقن صناعة الموت بهذا الإصرار؟
الفلسفة هنا لا تكتفي بالإدانة ، بل تفضح التناقض. فالميلاد ليس ذكرى تُزيَّن بالشموع، بل معيارًا أخلاقيًا يُقاس به السلوك الإنساني ، وكل احتفال لا يُترجم إلى موقف ضد الظلم، وضد قتل الأبرياء، وضد تحويل الإنسان إلى وقودٍ للحروب، يبقى احتفالًا ناقصًا، بل زائفًا.
إنّ العبرة الحقيقية من ميلاد المسيح ليست في تكرار الطقوس، بل في استعادة المعنى : أن تكون الحياة مقدسة ، وأن تكون السيادة مسؤولة ، وأن يكون السلام خيارًا عقلانيًا لا شعارًا عاطفيًا ، وما لم يتحول هذا الميلاد إلى وعيٍ سياسي وأخلاقي عالمي ، سيبقى العالم يحتفل بالميلاد فوق أنقاضه، ويصلّي للسلام بيد ، ويصنع الحرب بالأخرى.
مع تحيات اعياد الميلاد الى من صنعنا معهم عيشاً مشتركا في الاردن منذ الاف السنين .
حمى الله الاردن وسدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .
* حزب المحافظين الاردني